الطابع الخاص لركن الشرعية في القانون الجنائي الدولي













الطابع الخاص لركن الشرعية في القانون


الجنائي الدولي






سوف يتناول هذا المبحث ركن الشرعية في ثلاثة مطالب , الأول ماهية ركن الشرعية ومبرراتها , والثاني السمة المميزة لركن الشرعية , والثالث ركن الشرعية في محاكما ت نورمبرغ .














المطلب الأول ماهية الشرعية و مبرراتها










سوف يركز هذا المطلب على تحديد مفهوم الشرعية بشكل موجز ثم الاطلاع على أخر المستجدات في الفقه والقضاء منه وذلك في فرعين , الأول لتعريف ركن الشرعية , والثاني لتحديد مبرراتها .






الفرع الأول تعريف الشرعية










ستقتصر الدراسة هنا على ماهية ركن الشرعية ذاته دون الالتفات إلى النتائج التي تترتب عليه وهي تفسير نصوص التجريم أو عدم رجعية نصوص التجريم ونطاق تطبيق نصوص التجريم من حيث المكان . لان هذه النتائج سوف تتغير حتما وتأخذ طبيعة مميزة استنادا إلى ركونها إلى العرف ومبادئ القانون العامة وهو ما يعطيها طبيعة خاصة ومن مراجعة كتب الفقه الجنائي يتبين إن ركن الشرعية يمكن حصره بنقطتين :-


الأولى : حصر التجريم بالنص المكتوب .


الثانية : استبعاد العرف والمبادئ العامة للقانون أو بشكل اعم استبعاد أي مصدر أخر من مصادر القانون غير التشريع .كما إن المبدأ بذاته يمكن شطره من جهة أخرى إلى شطرين :-


الأول – لا جريمة إلا بنص .


الثاني – لا عقوبة إلا بنص .






وإذا كان الجزء الأول من مبدأ الشرعية قد خضع لاعتبارات فقهية ونصوص اتفاقية واسعة الجدل بشأنه فان الجزء الأخر من المبدأ والمتضمن الإقرار بان لا عقوبة إلا بنص يكاد يخضع لذات الجدل ولعل الجدل يبدأ من اتفاقية لندن لسنة 1945 ومرورا بميثاق نورمبرغ الذي أهمل هذا المبدأ صراحة في المادة 27 منه حيث منح المحكمة سلطة الحكم بأي عقوبة ترى أنها عادلة[i],كما أشارت المادة 23 إلى عدم جواز عقاب أي شخص تقوم المحكمة بإدانته بارتكاب إحدى الجرائم الداخلة في اختصاصها إلا وفقا لنظامها الأساس. وقد تضمن نص كل من المادتين 77 و78 من النظام الأساس القواعد العامة الأساسية للعقوبات الواجبة التطبيق بموجب هذا النظام إضافة للقواعد العامة الأساسية الواجب إتباعها عند فرض هذه العقوبات ولم يتضمن النظام عرضا تفصيليا للحدود الدنيا والقصوى في عقاب كل من الجرائم الثلاث التي تدخل في اختصاصا المحكمة , الأمر الذي كان متعذرا مع العدد الكبير لهذه الجرائم[ii] ويقترح جانب من الفقه إطلاق تسمية الشرعية الجنائية بدل مبدأ الشرعية مبررا ذلك بالقول إن هذا المبدأ لا يقتصر على العقوبات بل يمتد ليشمل العقوبات والتدابير الاحترازية ومن ثم لا يجوز للقاضي إن يقضي بغير التدابير التي نص عليها المشرع كما يغطي أيضا قواعد أصول المحاكمات الجزائية فلا يجوز اتخاذ إجراء من الإجراءات المتعلقة بملاحقة المتهم والتحقيق معه ومحاكمته غير تلك التي حددها المشرع في قانون أصول المحاكمات الجزائية أو القوانين المكملة له[iii] ويثير ركن الشرعية حتى على المستوى الداخلي الكثير من الجدل فهناك العديد من الفقهاء ممن يرى إن للجريمة ركنين فقط هما الركن المادي والركن المعنوي ولا حاجة لاعتبار النص الذي يسبغ التجريم على الفعل المجرم ركنا فيها لأن ذلك النص خالقا للجريمة وليس ركنا فيها[iv].






الفرع الثاني مبررات ركن الشرعية














يسوق الفقه تبريرات عديدة لمبدأ الشرعية غير إن أسس هذا المبدأ يمكن حصرها في اتجاهين , الأول يقوم على أساس اعتبارات العدالة إذ ليس من العدالة في شيء معاقبة شخص على فعل لم يسبقه المشرع بتجريمه , والثاني يستند إلى خلفيات تاريخية وسياسية مردها إنكار الصفة المطلقة التي كان يتمتع بها القضاة في التجريم والإباحة وما يعزز ذلك من سلطة التحكم بتجريم التصرفات والسلوك أو إسناد العقوبات لها[v] .غير إن التبريرات التي يمكن إن تساق في إطار القانون الجنائي الدولي تتركز بشكل أساس إلى حماية الحقوق والحريات الفردية كما انه يعمل على إنذار الإفراد أولا فيما هو محظور عليهم ارتكابه من الأفعال فلا يفاجئون بأمور تقيد من حرياتهم وتنال من حقوقهم[vi] .


ذلك أن عدم اصطدام تصرف الفاعل بنص تجريم يجعل من المستحيل إضفاء الطابع ألجرمي على تصرفه ومع التسليم أن نص التجريم لا يمكن اعتباره عنصرا في الجريمة ، لكن الصفة الجرمية للتصرف لا يمكن إغفالها . فالتصرف لا يمكن أن يبلغ مبلغ الجريمة إلا أذا تولد شعور قانوني لدى الجماعة ( وطنية كانت أم دولية ) بأن واقعة ما أضحت مصدر تهديد لا منها ومصالحها ، فينتقل هذا الشعور إلى عالم القانون ، هذا الشعور أو الصفة الجرمية للواقعة هو الذي يدخل في العناصر المكونة للجريمة ، أما بالنسبة لنص التجريم فهو عنوان أو مظهر لهذا الشعور يستدل به على الصفة الجرمية للتصرف ، لهذا فأن عدم المشروعية لا يمكن حذفه من قائمة العناصر الأساسية في الجريمة . والحال نفسه بالنسبة للجرائم الدولية مع فارق بسيط وهو أن تلك الجرائم تجد مصدر تجريمها في نص اتفاقي أو في أصل عرفي .[vii]


كما أن أهمية هذا المبدأ تبرز من جهة أخرى في تدعيم فكرتي العدالة والاستقرار بسيادة القانون وأخيرا فأن لهذا المبدأ دور وقائي من الجريمة وهو الهدف الاسمي للسياسية الجنائية في حين ينتقد معارضو هذا المذهب في أنه يقف حائلا دون مواجهة الأفعال الخطرة التي تلازم التطور وفي أمكانية الاستفادة من التقدم العلمي والفني فقد يفرز التقدم العلمي والتطور التكنولوجي أفعال تنال من الأمن والسلم لا يستطيع القاضي تجريمها والعقاب عليها احتراما لمبدأ الشرعية كما أن الدراسات الحديثة أثبتت ما يسمى بمبدأ تقرير الجزاء الجنائي أي دراسة خطورة المجرم استنادا إلى شخصيته أكثر من التركيز على فعله حيث يترتب على تطبيق هذا المبدأ اختلاف الجزاء نوعا ومقدارا بالنسبة للفعل الواحد تبعا لخطورة كل من ساهم في ارتكابه .[viii]


يميل الفقه الجنائي المعاصر في انكلترا إلى ضرورة تقنين القانون الجنائي بشقيه الموضوعي و الإجرائي ويشيدون بالتشريعات التي صدرت بهذا الشأن خصوصا : ـ


1 ـ قانون الإجراءات الجنائية لسنة 2002 .


2 ـ قانون سياسة الإصلاح لسنة 2002 .


3 ـ قانون العدالة الجنائية لسنة 2003 .[ix]


على الرغم من أن المادة 11 الفقرة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 كانت قد نصت على أن (( لا يدان أي شخص من جراء أوامر عمل أو الامتناع عن أداء عمل ألا أذا كان ذلك يعتبر جرما وفقا للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب . . )) كما أن المادة 99 من اتفاقية جنيف الثالثة كانت قد نصت على (( محاكمة أسرى الحرب أو الحكم عليه عن جرم لا يحظره قانون الدولة الحاجزة أو القانون الدولي الذي يكون نافذا وقت اقتراف الجرم )) .إلا إن مراجعة بعض النصوص المتعلقة بالضمانات القانونية والقضائية للإنسان الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 أو في بعض الاتفاقيات الإقليمية تبيح التجريم استنادا إلى أسس أخرى غير التشريع كالمادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 التي نصت الفقرة الثانية منها على (( ليس في هذه المادة ما يحول دون محاكمة أو معاقبة أي شخص عن أي فعل أو امتناع إذا كان ذلك يعتبر وقت ارتكابه تصرفا جرميها طبقا للمبادئ العامة المعترف بها من قبل الأمم المتحضرة ))[x]وجاءت المادة الخامسة من مشروع تقنين الجرائم ضد امن وسلم البشرية الذي وضعته لجنة القانون الدولي بنص مماثل يمنح المحكمة سلطة اختيار العقوبة عند محاكمة المتهم بارتكاب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في التقنين أخذة في الاعتبار خطورة الجريمة )) ومع ذلك فغلبة المذهب الاشتراكي شكلت هي الأخرى إيذانا بتراجع هذا المبدأ مع تزايد الدعوات لتغليب المصلحة الجماعية على مصلحة الفرد حيث تجاهلت قوانين عديدة هذا المبدأ منها القانون الجنائي الروسي الصادر في 1927 والقانون الألماني الصادر في 1935 وهذا يعني إن مبدأ الشرعية لا يمكن عده مبدأ مطلقا في التشريعات المعاصرة بل يجوز تجاهله لمصلحة الفرد تارة ولمصلحة الجماعة تارة أخرى .[xi]










المطلب التاني عوامل تميز ركن الشرعية














يمكن حصر هذه العوامل باتجاهين الأول يعود إلى التداخل بين القواعد القانونية وعدم إمكان تفردها بصفة معينة والثاني غياب سلطة التشريع المركزية على مستوى القانون الدولي الجنائي ويمكن دراسة كل عامل من هذه العوامل بفرع مستقل.






الفرع الاول التداخل بين القواعد القانونية










قد يقال إن الغموض الذي يكتنف عنصر التجريم في القانون الدولي الجنائي يتماشى مع ما يطلق عليه ألان الغموض الايجابي أي الوسائل الدبلوماسية التي يتم من خلالها تجاوز الاختلافات بين وجهات النظر المختلفة أو احتوائها .[xii]لقد أثار اعتماد المبدأ خاصة فيما يتعلق بالشق الأول منه (( لا جريمة إلا بنص )) كثيرا من النقاش في اجتماعات اللجنة التحضيرية وخاصة انه يسير جنبا إلى جنب مع المبدأ القانوني القائل بعدم جواز الاستناد إلى العرف كمصدر للتجريم مما يعني وجوب التنسيق بين مبدأ لا جريمة إلا بنص وفكرة عدم الاعتماد على العرف لا نشاء القاعدة القانونية الدولية وهو الذي يعد أهم مصادر القانون الدولي وخاصة انه لم يكن ممكن للدول المختلفة إن تقبل الانضمام للنظام الأساس للمحكمة بدون إن يتضمن الإشارة لمبدأ لا جريمة إلا بنص وما يستتبعه من عدم جواز القياس مخافة إساءة المحكمة للسلطات المناطة بها .[xiii] إن القانون الدولي الجنائي لا ينكر مبدأ الشرعية ولكنه يقره بطريقة مختلفة تبعا لاختلاف طبيعة قواعد القانون الدولي عن طبيعة قواعد القانون الداخلي وبالتالي فا ن مبدأ الشرعية في إطار القانون الدولي إنما يوجد بصورة تتفق مع طبيعة قواعد هذا القانون وهذه الصورة تعني إن الفعل لا يشكل جريمة إلا إذا ثبت خضوعه لقاعدة من قواعد القانون الدولي تقرر له هذه الصفة ولا يتطلب إن تأخذ هذه القاعدة شكلا معينا بل يكفي مجرد التحقق من وجودها ولذلك يمكن التعبير عن مبدأ الشرعية في القانون الدولي بالإشارة إلى انه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قاعدة قانونية [xiv]


إذ إن السمة العرفية لقواعد القانون الدولي ألقت بضلالها على ركن الشرعية فحولته من مبدأ يستند أساسا إلى الكتابة والشكلية إلى مبدأ ذو صفة عرفية بحسب الأصل في قواعد القانون الدولي العام حيث لا وجود لفكرة الجريمة الدولية في نصوص مقننة وإنما يمكن الاهتداء إليها عن طريق استقراء ما تواتر عليه العرف الدولي وحتى التسليم بوجود هذه القواعد في اتفاقيات دولية ومواثيق وأنظمة للمحاكم الدولية فان أساس هذه القاعدة والوجه الأول لظهورها مرده العرف الدولي وينحصر دور تلك المواثيق كونها كاشفة ومؤكدة ومقننة لما استقر من تلك القواعد العرفية.[xv]أضف إلى ذلك إن مفهوم القاعدة العرفية أو مفهوم القاعدة الناشئة من مبادئ القانون العامة في القانون الدولي الجنائي تتخذ طابعا أخر قائما على أساس إن الدول عندما ترغب في إعطاء قاعدة معينة نظرا لأهميتها أو مخافة انتهاكها مجالا واسعا في التطبيق فإنها تطلق عليها وصف القاعدة العرفية وكذلك الحال مع أي مبدأ أخر إذا توافر فيه السببان حتى إن بعض القواعد التي تجد أساسها في نص مكتوب يصر الفقه على القول أنها دخلت العرف الدولي أو أنها تحولت إلى عرف دولي رغبة في إن يمتد عنصر الإلزام الذي يسودها إلى دولا لم توقع على النص المكتوب وبالتالي فان اعتماد هذه الحقيقة يؤكد انحراف معنى العرف الدولي من معناه التقليدي إلى معنى جديد يقوم على رغبة المجتمع الدولي في امتداد عنصر الإلزام.










الفرع الثاني غياب سلطة التشريع المركزية














لعل افتقار المجتمع الدولي لوصف المشرع الواحد أو المشرع المركزي هو الذي أغدق صفة الخصوصية على ركن الشرعية في القانون الدولي الجنائي ذلك إن النصوص الاتفاقية ذاتها حتى وان حظيت بنسبة عالية من المصادقة فإنها لانعكس إلا اتجاها توافقيا لوجهات نظر متباينة[xvi]فالفقه الجنائي الدولي حينما يحاول استظهار إحكام القانون الدولي فهو لا يبحث عنها في النصوص المكتوبة وحدها , ولكنه يهتم أولا بتحديد النحو الذي جرت وفقا له العلاقات بين الدول واستقرت عليه ويجتهد في استخلاص القواعد العرفية التي نشأت بذلك والى جانب العرف الدولي فهناك مصادر أخرى تكمل العرف وتحدده وشان الفقه في ذلك شأن القضاء الجنائي الدولي فحينما يطلب من القاضي تحديد الصفة الإجرامية لفعل ما فهو يبحث عن قواعد التجريم في العرف الدولي أولا ثم في مصادر القانون الدولي الأخرى فأن تأكد له خضوع الفعل لهذه القواعد اعترف له بهذه الصفة الإجرامية دون إن يعنيه إذا كانت القواعد قد أفرغت في شكل مكتوب أو بأي صورة أخرى فركن الشرعية يعني إن الفعل لا يعد جريمة إلا إذا ثبت خضوعه لقاعدة من قواعد القانون الدولي تقرر له هذه الصفة دون الإصرار على إن تتخذ هذه القاعدة شكلا مكتوبا بل الاكتفاء بمجرد التحقق من وجودها غير إن احترام هذا الركن قد يتضح بصورة أخرى مفادها إن القاضي الدولي لا يستطيع إن يعتبر الفعل جريمة إذا تبين له انه لا يناقض أية قاعدة دولية ولكن ليس مخالفة أي قاعدة دولية هي مناط التجريم بل المعيار هو الاختلاف في مقدار الأهمية ومقياس هذه الأهمية هو قيمة الحق أو المصلحة التي تحميها القاعدة القانونية بالنسبة للمجتمع الدولي وهنا يبرز أيضا دور القاضي الدولي في تحديد هذه الأهمية فنص التجريم لا ينشئ الصفة الإجرامية ولكنه يكشف عنها [xvii] الأمر الذي يبيح مرة أخرى الخروج عن مبدأ الشرعية الذي وجد أصلا لانتزاع سلطة التجريم من يد القضاء .














المطلب الثالت ركن الشرعية في محاكمة نورمبرغ










على الرغم من إن الفترة التي ظهرت فيها محاكمات نورمبرغ كانت فترة بدائية في تكوين القانون الجنائي الدولي إلا إن أسلوب المحكمة وميثاقها قد تعرض لانتقادات فيما يتعلق بموقفها من ركن الشرعية في الجريمة الدولية كما إن هذه الانتقادات هناك من يعطيها المبرر والمسوغ ولذلك سوف نحدد هذه الانتقادات في الفرع الأول ونعرض لحجج الرد في الفرع الثاني .






الفرع الاول الانتقادات الموجهة للمحكمة






كانت قضية انتهاك مبدأ الشرعية في محاكمات نورمبرغ واحدة من أكثر المسائل جدلا إذ إن معظم لوائح الدفاع استندت إلى انعدام ركن الشرعية بمعنى انه ليس هناك قانون يجرم على سبيل التحديد تلك الأفعال ولكن المحكمة رفضت هذه الحجة مدعية انه ليس بالضرورة إن يكون الفعل مجرما وفق نص مسبق مادام مخالفا لكل المواثيق الدولية وكان بالإمكان اكتشاف طبيعته الجرمية استنادا لمخالفته لتك المواثيق واستنادا أيضا إلى انه يشكل فعلا ضارا[xviii]ومن جملة الانتقادات التي وجهت لمحاكمة نورمبرغ فيما يتعلق بركن الشرعية أنها أهملت القانون الواجب التطبيق وهو القانون الألماني والذي يحدد على سبيل الحصر الجرائم التي يعاقب عليها والجرائم والمحددة لها وطبقت بدلا عنه النظام الأساسي لها .[xix]


وكذلك من الانتقادات التي واجهتها المحكمة حتى مع التسليم بالتزامها باتفاقية لندن وتجريم تلك الأفعال استنادا إلى نص مكتوب في تلك الاتفاقية فأنها لم تلتزم نتائج مبدأ الشرعية ومن ضمنها التقيد بعدم تفعيل النصوص التجريمية بأثر رجعي وعدم شمولها كافة المتهمين بل تم التركيز على فئة معينة واستطاع الكثير من المتهمين التخلص من ملاحقة المحكمة بالفرار أضف إلى ذلك أن بعض العقوبات كانت تافهة .[xx]


ويذكر أن المادة السادسة الفقرة ب من النظام الأساس للمحكمة العسكرية في نورمبرغ كانت تنصص على أن جرائم الحرب هي مخالفة قوانين وعادات الحرب ، وهي تشمل على سبيل المثال لا الحصر(( أفعال القتل وسوء المعاملة )) . . . وهذا يعني أن هذه المادة خرجت عن مبدأ الشرعية بشقيه أذا أنها سمحت للمحكمة بالقياس على الأفعال المجرمة ولم تحصرها كما هي من ضرورات عنصر التقيد في ركن الشرعية كما أنها سمحت للمحكمة بأن تجري عقوباتها وفق منهج القياس ذاته .










الفرع الثاني رد الانتقادات الموجهة للمحكمة






أولى التبريرات التي سيقت بشأن تبرير سلوك المحكمة إزاء مبدأ الشرعية هي أن الأفعال التي تقوم بها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هي من قبيل أفعال القتل والضرب والجرح والخطف والحبس والحريق والإتلاف وهي أفعال تجرمها القوانين الجنائية الوطنية في الأمم المتمدنة ومن بينها بطبيعة الحال القانون الألماني كما نلاحظ أن من القواعد المستقرة في الفقه والقضاء الألمانيين أن الجنود لا يستفيدون من سبب إباحة حين يباشرون العمليات الحربية ألا أذا كان سلوكهم متفقا مع القواعد الدولية التي تنظم سير الحرب فإذا خرجوا عليها قامت مسؤولياتهم الجنائية الكاملة .[xxi]


كما قيل أيضا إن مبدأ المشروعية في القانون الجنائي الدولي يعني أذا قرر القانون الدولي لفعل معين الصفة غير المشروعية وكان هذا الفعل مشروعا طبقا للقانون الداخلي تغلبت في هذا التنازع القواعد الدولية وتعين التسليم للفعل بالصفة غير المشروعة .[xxii]


ونظرا لما يمتاز به ركن الشرعية من طبيعة خاصة في فقه القانون الجنائي الدولي لذا يذهب جانب كبير من فقهاء هذا القانون إلى الدعوة إلى الاستغناء عن ركن الشرعية في أطار هذا القانون والاكتفاء بتحديد الجريمة الدولية بثلاثة أركان هي الركن المادي والركن المعنوي والركن الدولي .[xxiii] مبررين ذلك أولا بأن ركن الشرعية أو نص التجريم هو الوعاء الذي يحدد أركان الجريمة وبالتالي فهو ليس ركنا فيها بل هو سابق في الوجود عليها وبغيره لا يمكن القول أننا أمام جريمة بالمعنى القانوني للكلمة .[xxiv] وثانيا بأن القواعد التي تعاملت مع هذا الركن اتسمت بطابع المرونة ودخلت فيما يدعى في الفقه الدولي المعاصر soft law .[xxv] وهي سمة تحتاج التوقف كثيرا إذ ليس من المعقول أن يدخل جزء من هذا القانون في أطار هذا النوع من قواعد القانون الدولي .


وقد سبق للجنة القانون الدولي الإشارة إلى مبدأ الشرعية حين اقترحت في المادة 39 من التقنين الدولي ـ قانون الشعوب ـ ما يلي (( لا يعد الشخص مسئولا جنائيا بناء على هذا القانون : ـ


1 ـ أذا ما أتهم في جريمة من تلك الجرائم التي تنصص عليها المادة ( 20 / أ ـ ج ) ولم يشمل الفعل جريمة طبقا للقانون الدولي .


2 ـ أذا ما أتهم في جريمة من تلك المنصوص عليها في المادة ( 20 / ه ) ولم يكن هناك تطبيق للاتفاقية الخاصة على الفعل وقت حدوث الجريمة .

وقد رأى البعض أن صياغة مبدأ الشرعية على هذا النحو يشوبه الغموض وعدم الدقة الأمر الذي يثير الخلاف على بعض الأوصاف والصياغات ويثير القلق لدى الفقه الجنائي خاصة عند تحسس الرغبة لدى البعض بعدم احترام هذا المبدأ .[xxvi]












[i] Steven and Sons limited , London ,1959,p371. J .Stone ,legal controls of international conflicts ,


[ii] - د. سوسن تمر خاب بكه , الجرائم ضد الإنسانية ,ط1, منشورات الحلبي الحقوقية , بيروت ,2006,ص140 .


[iii] - د. عبد القادر القهوجي ,شرح قانون العقوبات , ط1 , منشورات الحلبي الحقوقية ,بيروت , 2008 ,ص66.


[iv] - د. محمود صالح العادلي , الجريمة الدولية , دراسة مقارنة , دار الفكر الجامعي , الإسكندرية , 2004 , ص67.


[v] - Glaser ,Nullm crimes Sine legal' ,journal of comparative legislation and international law ,Vol.xxiv, part .1,1942 ,p33.


[vi] - Catherine Elliott and Frances Quinn , Criminal law , fifth ed ,Pearson Longman ,Great Britain ,2004,p4.






[vii] ـ د . يونس العزاوي ، مشكلة المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1970 ، ص53 .


[viii] ـ د.عبد القادر القهوجي ، مصدر سبق ذكره ، ص66 ـ 67 .


[ix] ـ John wheeler , Essential of the English legal system , second ed , Pearson Longman , England , 2006 , p175 . للمزيد من التطبيقات القضائية المعاصرة لركن الشرعية أنظر .


د . عبد الرحمن توفيق احمد ، محاضرات في الأحكام العامة لقانون العقوبات ، الجزء الأول ، دار وائل للنشر ، عمان ، 2006 ، ص100 ـ 103 .






[x] - د. محمد ثامر السعدون ,حقوق الإنسان المدنية , ط1 ,مطبعة العاتك , القاهرة , 2012, ص65 .


[xi] - عباس هاشم ألساعدي , جرائم الإفراد في القانون الدولي , رسالة ماجستير غير منشورة , كلية القانون , جامعة بغداد ,1976 ,ص27 .


[xii] - د . إبراهيم سلامة , الجرائم ضد الإنسانية , المحكمة الجنائية الدولية , إعداد شريف عتلم , اللجنة الدولية للصليب الأحمر , ط5 , 2008 , ص97 .


[xiii] - د . سوسن تمر خاب بكه . مصدر سبق ذكره , ص138 .


[xiv] - د . إبراهيم الدراجي , جريمة العدوان , ط1 ,منشورات الحلبي الحقوقية ,.بيروت , 2005 , ص121- 122 .


[xv] - د. عبد الرحمن حسين علام , المسؤولية الجنائية في نطاق القانون الدولي الجنائي , الجزء الأول , دار نهضة الشرق ,القاهرة , 1988 ,ص101.


[xvi] -H.Baade , Individual responsibility in the future of the international legal order , Vol .1V , Princetion University Press, New Jersey ,1972 , P324 .


[xvii] - د . محمود نجيب حسني , مصدر سبق ذكره ، ص67 ـ 68 .


[xviii] -Benjamin B .Ferencz , from Nuremberg to Rome , Germany ,1998 ,P2.


[xix] ـInternational military tribunal , trail of the major war criminals before the international military tribunal , Vol . l , Nuremberg , Germany , 1947 , p8 .


[xx] ـ د . حسنين إبراهيم صالح ، القضاء الدولي الجنائي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1977 ، ص96 .


للمزيد حول الانتقادات التي وجهت للإجراءات الجنائية التي تتبعها تلك المحاكم منها ما يتعلق بتطبيقها للنظام الاختصاصي وليس النظام ألتحقيقي في توجيه التهمة وهو ما يستوجب فحص كافة الأدلة ومناقشتها شفويا في حين يقتصر الأسلوب ألتحقيقي على أدلة مختارة ومعينة يتم التوصل إليها أثناء التحقيق . . . للمزيد أنظر


ـ Antonio Cassese , International law, second ed , Oxford University press, New York, 2005 , p261 – 262 .






[xxi] ـ د . محمود نجيب حسني ، مصدر سبق ذكره ، ص69 .


[xxii] ـ نفس المصدر ، ص60 .


[xxiii] ـ أنظر : ـ


ـ د . السيد أبو عطية ، الجزاءات الدولية بين النظرية والتطبيق ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، الإسكندرية ، 2001 ، ص251 .


ـ د . ضاري محمود خليل ، المبادئ الجنائية العامة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، مجلة دراسات قانونية ، بيت الحكمة ، ع 2 ، بغداد ، 1999 ، ص6 .


ـ د . احمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ، الجزء الأول ، القسم العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص255 .


[xxiv] ـ عبد الله علي عبد سلطان ، دور القانون الدولي الجنائي في حماية حقوق الإنسان ، أطروحة دكتوراه غير منشورة ، كلية القانون ، جامعة الموصل ، 2004 ، ص73 .


[xxv] ـ د . محيي الدين عوض ، دراسات في القانون الدولي الجنائي ، دار الفكر العربي ، بدون سنة طبع ، القاهرة ، ص221 .


وللمزيد حول موضوع الصياغة المرنة انظر


ـ د . محمد ثامر السعدون ، الصياغة المرنة في القانون الدولي وتطبيقاتها في اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 ، مجلة الحقوق ، الجامعة المستنصرية , العدد 18 , السنة السادسة ، 2012 ، ص29 وما بعدها .


[xxvi] ـ د . إبراهيم محمد زيد ، المحكمة الجنائية الدولية في النظام العالمي الجديد ، ، ص21 .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جرائم الإيذاء العمدي

النظريات المفسرة للسلوك الاجرامي

علاقة علم العقاب بباقي فروع العلوم الجنائية الأخرى