الجرائم العابرة للحدود


















الجرائم العابرة للحدود:


الجريمة المنظمة العابرة للحدود أو الجريمة المنظمة عبر الدول ظهرت نتيجة للتوسع التجاري بين الدول وعولمة اقتصاديات الدول وما نتج عنها من عولمة الثقافة وكذلك الجريمة, فنشئت منظمات خطيرة تعمل على مستوى دولي ومنظم متجاوزة الحدود الدولية ومخترقة لأكثر من دولة ومعتمدة استراتيجيات معينة وتحالفات بين المنظمات الإجرامية الوطنية والخارجية لفرض السيطرة على الدول مما جعلها من أكبر التحديات التي تواجه الدول بكافة أشكالها وبدون تمييز بين المتقدمة منها والمتخلفة. ومن أشهر المنظمات الخطيرة المافيا الإيطالية , وعصابات الثالوث في جنوب شرق آسيا ،وعصابات الياكوز اليابانية, وعصابات الكارتل الكولومبية.


تعريف الجريمة العابرة للحدود:


اختلف القانونيون في تعريف هذه الجريمة وذلك بسبب اختلافهم في النظر في مفهومها:


فمنهم من يعرفها :بدلالة المنظمة الإجرامية .


ومنهم من يعرفها :بدلالة الجريمة المرتكبة .


كما أن غالب الأنظمة والقوانين لم تتطرق لتعريفها تاركة المجال لشراح القانون لوضع أطر عامة لمفهوم هذه الجريمة.


إلا أنه يمكن حصر العناصر المتفق عليها التي تقوم عليها المنظمة وهي:


1. وجود منظمة إجرامية تتألف من ثلاثة أشخاص أو أكثر.


2. ارتكاب جريمة خطيرة.


3. الاستمرار في ممارسة الأنشطة الإجرامية.


4. استعمال وسائل وطرق تتسم بالدقة والتعقيد في تحقيق أهدافها.


5. الدافع أو الباعث هو تحقيق الربح باستخدام العنف.






أركان الجريمة المنظمة:


لكل جريمة أركان ثلاثة لا بد من توافرها وهي: الركن الشرعي, والركن المادي , والركن المعنوي. والجريمة العابرة للحدود هي من الجرائم المنظمة وسنتناول أركانها بالاستناد إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المنعقدة في باليرمو بإيطاليا سنة 2000م.


الركن الشرعي :


لا يكون الفعل مُجرّماً إلا بنص خاص وعقوبة محددة مقررة, ومبدأ الشرعية متفق عليه عند أهل القانون ويعبرون عنه بقولهم (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص).


ومن هذا المنطلق عقدت الأمم المتحدة اتفاقية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود وذلك بغية توفير الأساس القانوني والركن الشرعي لتجريم الجرائم المنظمة وإيقاع العقاب على مرتكبيها.


فنصت المادة الثانية من الاتفاقية على ما يلي " يقصد بتعبير جماعة إجرامية منظمة جماعة ذات هيكل تنظيمي مؤلفة من 3 أشخاص أو أكثر موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقيات من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى".


كما أشارت إلى أنه يقصد بتعبير جريمة خطيرة " سلوك يمثل جرما يعاقب عليه بالحرمان التام من الحرية لمدة لا تقل عن 4 سنوات أو بعقوبة أشد".






الركن المادي:


ويقوم على ثلاثة عناصر هي : الفعل المادي, والنتيجة, والعلاقة السببية.


الأول : الفعل المادي : يقصد به السلوك الإجرامي المتمثل في أفعال خارجية يمكن الوقف عليها واستظهارها.


والفعل المادي للجريمة المنظمة يتمثل في تأسيس منظمة إجرامية فمجرد اتفاق مجموعة من الأفراد على تأسيس منظمة إجرامية كاف لوجود الفعل المادي المستحق للعقاب.


الثاني: النتيجة : تتمثل في ارتكاب جريمة من الجرائم الخطيرة وقد أشارت اتفاقية الأمم المتحدة إلى بعض النماذج من الجريمة المنظمة وهي المشاركة في جماعة إجرامية, وجريمة الفساد، وجريمة غسل الأموال ،وجريمة عرقلة سير العدالة.


ثالثاً: علاقة السببية: لا بد من وجود رابطة السببية بين الفعل المادي والنتيجة , بمعنى أنه لابد من رابطة بين إنشاء منظمة إجرامية (الفعل المادي) وبين ارتكاب النشاط الإجرامي بتنفيذ جريمة خطيرة (النتيجة) وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يشترط أن ترتكب الجريمة من جميع أطراف المنظمة بل يكفي ارتكابها من بعضهم طالما كان هناك اتفاق بينهم على الجريمة.


الركن المعنوي:


ويقصد به القصد الجنائي العام والخاص, فيجب أن تتوفر إرادة الجاني في ارتكاب الفعل المادي المجرم, فالأفعال لا بد أن تصدر من شخص بالغ عاقل مسؤول عن تصرفاته فيخرج منها الصغير والمجنون والمكرة وكذلك من يرتكب الجريمة بحسن نية.


والجريمة المنظمة بطبيعتها عمدية فالقصد الجنائي العام فيها مبني على العلم والإرادة وهو إنشاء المنظمة الإجرامية بغرض ارتكاب الجريمة الخطيرة.


فالعلم: يجب أن يكون كل عضو من أعضاء المنظمة الإجرامية على علم بطبيعة المنظمة و أن يكون على علم أن المنظمة الإجرامية قد أنشأت بغرض ارتكاب معينة ويجب أن يكون على علم بأن النشاط الإجرامي أو الجريمة الخطيرة يعاقب عليها الشريعة أو القانون.


أما الإرادة : فيجب أن تنصرف إرادة العضو إلى الانتماء إلى المنظمة الإجرامية و أن تتجه هذه الإرادة إلى ارتكاب الجريمة محل التنظيم.


أما القصد الجنائي الخاص فهو الهدف من إنشاء المنظمة الإجرامية وهو الحصول على الربح فيجب أن يكون الباعث أو الدافع من إنشاء المنظمة الربح لتكون جريمة منظمة.


والقصد الجنائي الخاص مهم جدا في التفريق بين الجرائم المنظمة العابرة للحدود وبين الجرائم الإرهابية والسياسية أو العرقية أو الدينية تخرج الجريمة المنظمة العابرة للحدود فلا بد أن يكون الباعث الربح المادي لتكتمل أركان هذه الجريمة.


صورة الجريمة المنظمة والعابرة للحدود:


يصعب حصر صور الجرائم العابرة للحدود ،لأنها متجددة ومتغيرة ولكنها تجتمع في الدافع وهو الربح المادي , وهذا النوع من الجرائم معروف منذ القدم فمن صوره التقليدية :القرصنة البحرية ,وتزييف العملة النقدية ,والاتجار بالبشر.


ومع التطور التقني والتكنولوجي برزت أنواع جديدة من الجرائم العابرة للحدود في غاية الخطورة من أهمها :الاتجار بالمخدرات، والاتجار غير المشروع بالأسلحة النارية ،وجريمة الاتجار بالأعضاء البشرية وجرائم الفساد التكنولوجية الحديثة ،وغسل الأموال.


جرائم غسيل الأموال:الجرائم المنظمة لها عدة صور ونشاطات إلا أنها تتفق في ضرورة تبييض مصادر دخلها غير المشروع لذا كانت جريمة غسيل الأموال من الجرائم الخطيرة, ومن المهم محاربتها والتضييق عليها لما له من أثر بالغ في عمل المنظمات الإجرامية ككل لأنها بدون تبيض أرباح النشاطات الإجرامية فلن يكون للعوائد النقدية من الجرائم أي فائدة , ولما لهذا النوع من الجرائم من أهمية سنتناوله بشيء من التفصيل.














خصائص جريمة غسل الأموال :


عرف المنظم السعودي غسل الأموال بأنه: ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافاً للشرع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروع المصدر[1].


وتتركز هذه الجريمة على الأموال وهي من الجرائم التبعية كما أشرت بذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية سنة 2000 في المادة الأولى منها فقرة (ه) بأن عائدات الجرائم هي كل الممتلكات المتحصل عليها بشكل مباشر أو غير مباشر من ارتكاب جرم ما .


أي أن جريمة تبيض الأموال تشترط وقوع جريمة أصلية قبلها.


وهي جريمة اقتصادية ويظهر ذلك خلال الوسائل المستعملة : فعمليات غسل الأموال تتم عن طريق استثمارات مشروعة أو عن طريق مؤسسات مالية كأعمال البنوك والبناء ووكالات الخدمات والفنادق وغيرها ,وكلها تعتبر من النشطات الاقتصادية .


ومن حيث التأثير على الاقتصاد الوطني كزيادة السيولة النقدية أو انخفاضها في البلد وتحويل الأموال الناتجة عن الجرائم بعد تبييضها من العملة الوطنية إلى العملات الأجنبية له بالغ الأثر على الاقتصاد الوطني.


تعتبر جريمة غسل الأموال من الأنشطة المساعدة على استمرار النشطات الإجرامية فهي تساعد المنظمات الإجرامية في إدامة مشاريعها غير المشروعة ما دامت هناك أساليب لاستمرار تدفق هذه الأموال الهائلة الناجمة عن الجريمة بحيث لولا وجود هذه الآليات المتعلقة بتبييض الأموال لما وجدت هذه العائدات منفذاً لها لتستفيد منها.


تعتبر جريمة غسل الأموال من قبل الجرائم الفنية : أي الأساليب والآليات والتقنيات المستعملة فيها هي تقنيات حديثة تتطلب وجود مختصين في القانون , وكذلك مؤسسات قانونية مختصة إذ أن عمليات تبيض الأموال تتطلب تقنيات لا يمكن توفرها للمجرم العادي ذو المستوى العلمي المحدود فعملية تبيض الأموال هي فن توظيف الوسائل المشروعة في ذاتها وخاصة في المجال المصرفي, والاقتصادي على وجه العموم لتأمين إخفاء الأرباح غير مشروعة لإحدى الجرائم وتأمين الغطاء النظامي لها.


مراحل غسيل الأموال:


تمر جريمة غسل الأموال غير المشروعة بعمليات معقدة ووفق مراحل ثلاث هي:


المرحلة الأولى : التنظيف:


الخطوة الأولى هي: محاولة إدخال الأموال المتحصل عليها من النشاط الإجرامي في الدورة المالية عن طريق إيداعها في أحد البنوك المحلية أو الخارجية , بصورة إيداعات بنكية أو شراء الضمانات البنكية والأوراق المالية أو النقدية وتحويلها إلى نقد أو عملات أخرى في مكان آخر , وهي أصعب مراحل غسل الأموال، لأنها عرضة لاكتشاف مصدرها وبالتالي اكتشاف النشاط الإجرامي أو تتبع آثاره من خلال إمكانية تتبع مودعي هذه الأموال.


ومن صور التنظيف :القيام بشراء المجوهرات والسيارات والعقارات وكذلك المواشي وغيرها وبيعها فيما بعد, أو إنشاء أو شراء المؤسسات والشركات المالية وغيرها واستعمالها كمنفذ لإيداع السيولة النقدية في البنوك وكثير ما يلجأ غاسلوا الأموال إلى تزوير بعض المستندات أو إخفائها أو بالتواطؤ مع بعض موظفي البنوك .


ولما كانت هذه المرحلة أهم مراحل غسل الأموال أولتها الجهات المعنية بمكافحة غسل الأموال كامل العناية وتركز الجهود لكشف محاولات إدخال الأموال غير المشروعة إلى المؤسسات المالية , ووضعت عدة تدابير وإجراءات للحد من دخول هذه الأموال دون أن تضبط, كوضع حد أدنى للمبالغ المودعة التي يجب التبليغ عنها من قبل البنوك.


المرحلة الثانية : التعتيم والتغطية:


ولها عدة تسميات كالتجميع والتفريق والتجميد والترقيد وهي عبارة عن عمليات مالية معقدة الهدف منها فصل الأموال غير المشروعة عن مصادرها الحقيقية وإعطائها غطاء نظاميا (قانونيا), وذلك من خلال تجزئة الأموال والقيام بعدة عمليات مصرفية وحوالات بنكية متكررة ومعقدة القصد منها إخفاء أصل هذه الأموال.


والتحويلات البنكية زادت من صعوبة اكتشاف مصادر هذه الأموال, لسهولة وسرعة انتقال الأموال, ويزداد الأمر تعقيداً إذا نقلت الأموال إلى حسابات بنوك تتبع لدول لديها مبدأ السرية المصرفية المطلقة كسويسرا وبنما والباهاما.


وعادة ما يكون للشركات الوهمية دور بارز في هذه المرحلة يتم من خلالها نقل الأموال إلى حسابات مصرفية لشركات محترمة .


المرحلة الثالثة : الدمج.


وهي المرحلة الختامية والنهائية لعملية غسل الأموال بإدخال هذه الأموال في عمليات مشروعة أو نشاطات اقتصادية مشروعة .


وبنجاح هذه العملية يسهل نقل هذه الأموال وتحريكها داخل الدورة الاقتصادية دون التعرض لمصدرها أو الخوف من المطاردة والمصادرة والمحاسبة.


وبعد أن تصل الأموال إلى هذه المرحلة يعاد استثمار هذه الأموال في الأنشطة الإجرامية أو في استثمارات أخرى .


وسائـل وأساليب غسل الأموال:


تتم عملية غسل الأموال من خلال مراحل ووسائل معقدة القصد منها الإمعان في إخفاء مصادر هذه الأموال وتتدرج وسائل وطرق غسل الأموال من البساطة إلى التعقيد اعتماداً على الظروف المكانية والزمانية ففي الدول المختلفة تتسم العملية بالبساطة بينما في الدول المتطورة تكون الوسائل أكثر تعقيداً.






أماكن غسل الأموال:


تتم جرائم غسل الأموال في عدة أماكن أهمها وأكثرها تعقيدا ما يلي:


أولا: البنوك التجارية :


تعتبر البنوك التجارية من أكثر الوسائل استخداماً لغسل الأموال وذلك بسبب تطور الأنظمة المالية والمصرفية وكثرتها وتعقيدها مما أتاح لغاسلي الأموال مجالاً واسعاً لتمرير عمالياتهم المشبوهة وإخفائها على الرغم من الجهود الدولية المكثفة للحد من استخدام غاسلي الأموال للنظام المالي والمصرفي , ومن أهم الطرق المستخدمة هي:


· إيداع الأموال المشبوهة في أحد الحسابات البنكية واستبدالها بشيكات أو حوالات ثم استخدامها في عمليات مصرفية أخرى أو استثمارات في مشروعات حقيقية .


· فتح عدة حسابات بنكية في بنوك مختلفة محلية وعالمية ،والقيام بالتحويل بين هذه الحسابات بشكل متكرر ،ثم جمعها في حساب واحد من أجل استثمارها في مشروع حقيقي, وهذه الطريقة الأكثر شيوعاً وغالباً ما تتم بتواطؤ من قبل بعض موظفي البنوك.


· فتح الاعتمادات المستندية في بعض البنوك والقيام فيما بعد باستغلال هذه الاعتمادات في الاستثمارات التجارية الدولية.


· استبدال العملات بعملات أجنبية , وقد يتم عن طريق المضاربة بالعملات الأجنبية في السوق المحلي أو الدولي.


· استغلال الفرص التجارية التي تقوم بها بعض الدول بقصد تشجيع الاستثمارات الأجنبية, فيقوم غاسلوا الأموال بإيداع مبالغ ضخمة في هذه الدول بقصد الاستثمار ،ثم نقل هذه الأموال بعد فترة إلى بلدانهم الأصلية بصورة أرباح ناتجة عن الاستثمارات


· إيداع المبالغ المشبوهة عن طريق أجهزة الإيداع الموجودة في البنوك أو عن طريق الصرافات الآلية وذلك بعد تجزئة الأموال إلى مبالغ صغيرة وإيداعها في أماكن مختلفة أو بأسماء أشخاص مختلفين .


ثانياً:شركات الصرافة :


بعد استخدام وسائل الرقابة على البنوك لجأ بعض غاسلي الأموال إلى المؤسسات المالية الأخرى أهمها شركات الصرافة التي تعد من أهم وسائل غسل الأموال وذلك بسبب طبيعة وضعف التدابير الرقابية داخلها ولامتلاكها حسابات جارية في البنوك يقوم غاسلوا الأموال بتحويل مبالغ ضخمة عن طريقها إلى دول أخرى ويتم استلامها بطريقة قانونية مما يبعد الشبهات عن مصادرها.


ثالثاً:السوق المشروعة:


يتم ذلك من خلال شراء الأصول ذات القيمة العالمية التي يمكن بيعها في الخارج دون تحمل خسائر كبيرة كالذهب والفضة والمعادن والمجوهرات والأحجار الكريمة وغيرها ،وعادة ما يتم شراء الذهب ونحوه ثم تصديره بوثائق ومستندات تبرر دفع القيمة عن طريق البنوك وبيعه واستلام ثمنه.


كما يقوم غاسلوا بالدخول في المشاريع الاقتصادية عن طريق شراء الشركات والأسهم , أو عن طريق إنشاء الشركات وبناء المصانع والمؤسسات المالية .


وبشراء العقارات والعروض التجارية والمواشي والسيارات والمطاعم والمحلات التجارية وجعلها غطاء للإنفاق من الأموال المشبوهة حتى لو لم تدر هذه المشاريع العائد المالي المتوقع .


رابعاً:التهريب :


يعتبر هذا الأسلوب أقدم وأبسط الطرق في عملية غسل الأموال ،ويقوم بها غاسلوا الأموال أنفسهم أو عن طريق أفراد آخرين ومسخدمين وسائل بسيطة في إخفاء هذه الأموال أثناء التنقل واستخدام وسائل الشحن البري والجوي والبحري.


خامساً:إعادة الإقراض:


يقوم غاسلوا الأموال بإيداع الأموال في بنوك خارجية لدول لا تتبع رقابة قوية على نشاطات غسل الأموال ومن ثم الطلب من البنوك المحلية قروض محلية بضمانات هذه الأموال المودعة في الخارج, وبالتالي يتمكنون من الحصول على أموال قانونية بعيدة عن الشبهة لاستغلالها في مشاريع اقتصادية أو شراء ممتلكات .


سادساً:شركات الواجهة والشركات الوهمية :


يقوم غاسلوا الأموال بإنشاء شركات تجارية وهمية في دول أجنبية يتسم نظامها المالي بضعف التدابير الرقابية لتكون واجهة لإضفاء المشروعية على الأموال , ويتم تحويل الأموال إلى هذه الشركات من خلال العقود والصفقات التجارية الوهمية.


ولهذه الشركات أن تقوم بشراء بضائع من شركات أجنبية وتتلاعب في الفواتير, كما تقوم هذه الشركات بشراء وثائق التأمين باسماء أشخاص أو شركات ثم تقوم بالغاء وثيقة التأمين ودفع الشرط الجزائي واستردا قيمة وثيقة التأمين وإيداعه في أحد الحسابات البنكية .


سابعاً:بطاقات الائتمان:


يقوم غاسلوا الأموال باستخدام هذه البطاقات من خلال منافذ الصرف الآلية المنتشرة في العالم وذلك عن طريق شراء بضائع أو سحوبات نقدية فيقوم البنك المحسوب منه هذه الأموال بمطالبة البنك مصدر البطاقة الذي بدوره يقوم بحسم المبلغ من حساب العميل.


ثامناً:التحويل البرقي:


النظام المتبع في التحويل البرقي للأموال يعرف بنظام (SWIFT) ومن خلال هذا النظام يمكن إجراء تحولات ضخمة للأموال وإيداعها في البنوك في دول أخرى دون الحاجة إلى التعريف بأسمائهم أو الغرض من التحويل, وتتميز هذه التحويلات بسرعة تسويتها مما يجعل متابعتها صعبة خاصة إذا تم التحويل لبنك في دول تفرض مبدأ السرية المصرفية.


تاسعاً:الانترنت :


استخدام غاسلوا الأموال الانترنت في عمليات غسل الأموال بالدخول في مواقع البنوك وإجراء العمليات المصرفية من نقل وتحويل المبالغ الضخمة بسرعة وأمان بعيدين عن صور الرقابة , كما قاموا بعقد الصفقات التجارية دون قيود.






أركان جريمة غسل الأموال:


يتفق المنظمون على أن جريمة غسل الأموال هي جريمة لاحقة يقصد منها إخفاء مصدر الأموال الناتجة عن الجريمة الأولى ويتعاملون معها على أنها جريمة مستقلة , وهي كغيرها من الجرائم يشترط فيها أركان ثلاثة:


الركن الشرعي:


نصت الاتفاقيات وسنت الدول أنظمة تجرم غسل الأموال ومن ذلك نظام غسل الأموال السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 بتاريخ 25/6/1424هـ ، ثم تم تعديله بموجب المرسوم الملكي رقم م/31 وتاريخ 11/5/1433هـ الذي نص على عقوبات متعددة لجريمة غسل الأموال, وغني عن القول أن الشارع الحكيم حرم أكل الأموال بالباطل كما أنه من المقرر عند أهل العلم قاعدة التابع تابع, وهذه الأموال تتبع في الحكم مصدرها , والمملكة العربية السعودية قائمة في أنظمتها على تحكيم الشريعة وعليه فجريمة غسل الأموال معاقب عليها حتى قبل صدور هذا النظام , وهذا من شمول الشريعة وسموها وسبقها للقوانين.


الركن المادي:


يشترط في وجود الركن المادي لهذه الجريمة ثلاثة عناصر هي:


الأول : الجريمة الأصلية :


وهي الجريمة التي انتجت الأموال غير المشروعة التي يتطلب إخفاء مصادرها عن طريق غسلها كجرائم الاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية ونحوها .


الثاني : السلوك المكون للجريمة:


المقصود به السلوك الذي يهدف لإخفاء مصادر المال غير المشروع ومحاولة إضفاء الشرعية على هذا المال . وله ثلاث صور حددتها اتفاقية فينا لعام 1988م وهي:


1ـ تحويل الأموال أو نقلها مع العلم بأنها أموال غير مشروعة كأن تكون عوائد للاتجار بالمخدرات وغيرها وذلك بهدف إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال , أو مساعدة أي شخص مرتكب لمثل هذه الجرائم على الإفلات من العقوبة.


2ـ إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو مصدرها أو مكانها أو طريقة التصرف فيها أو الحقوق المتعلقة بها أو ملكيتها مع العلم أنها أموال غير مشروعة ناتجة عن الاشتراك بأي فعل في جرائم معاقب عليها.


3ـ اكتساب أوحيازة أو استخدام الأموال مع العلم وقت تسلمها بأنها ناتجة عن الاشتراك بأي فعل في جرائم معاقب عليها.


الثالث: محل الجريمة:


ويقصد به هنا الأموال والعائدات الناتجة عن النشاط غير المشروع والمعاقب عليه.


الركن المعنوي :


يتمثل في العلم بمصدر الأموال غير المشروع .


فجريمة غسل الأموال يشترط فيها العمدية كما نصت اتفاقية فيينا عام 1988م في المادة الثالثة واشترطت العلم بالمصدر وقت التسليم والحيازة للأموال فلو لم يتوفر العلم فلا وجود للجريمة ويخرج منها الشخص مرتكب الجريمة بحسن النية.


كما أن العلم اللاحق بمصدر الأموال الغير مشروعة لا يجعلنا أمام جريمة غسل أموال .


الرقابة على غسل الأموال :


أــ رقابة البنوك التجارية :


تمثل البنوك التجارية أحد أهم روافد غسل الأموال عالمياً وذلك بسبب ضخامة النظام المصرفي والمالي، وسهولة تمرير العمليات المشبوهة وإخفاء مصادر الأموال , لذا لجأت الدول منذ أوائل القرن الهجري الحالي (منتصف الثمانيات من القرن الماضي الميلادي) إلى وضع مجموعة من القواعد والمبادئ الرقابية التي يجب على البنوك إتباعها والتقيد بها.


أولاً : الإجراءات الوقائية:


تهدف هذه الإجراءات في تسهيل ضبط ومصادرة العائدات المشبوهة وأهم الوثائق الدولية التي تناولت هذه الإجراءات هي بيان لجنة بازل لعام 1988م، وتوصيات مجموعة العمل المالي الدولي فاتف(FATF) ومن أهم هذه التدابير ما يلي:


· التحقق من هوية العملاء


· حفظ السجلات المالية


· تطوير أنظمة الرقابة الداخلية


ثانياً : إجراءات كشف عمليات غسل الأموال :


وهي مجموعة من الإجراءات التي تتم للتأكد من سلامة الإجراءات المالية وكشف العمليات المشبوهة, وأهم هذه الإجراءات :


· تقييد التعامل بالمدفوعات النقدية


· إخضاع بعض العمليات المالية لرقابة الخاصة:


1ـ الرقابة على الحوالات.


2ـ الرقابة على العمليات المالية العادية : كالعمليات التي لا تتوافق مع نشاط العميل , أو ذات المبالغ الضخمة.


3ـ الرقابة على العمليات المالية مع البلدان التي لديها ضعف في عمليات الرقابة على غسل الأموال


ب ــ رقابة البنوك المركزية ( مؤسسة النقد):


تقوم البنوك المركزية في جميع الدول بالرقابة على أعمال البنوك التجارية ووضع السياسات المالية والمصرفية واستصدار الأنظمة والقوانين المتعلقة بالشؤون المالية. ولها دور مهم في الرقابة على عمليات غسل الأموال وذلك بمتابعة التطورات الدولية والإقليمية والتعاون الدولي لمكافحة جرائم غسل الأموال. ومشاركة البنوك التجارية في وضع أنظمة رقابية تؤمن سلامة المعاملات من عمليات غسل الأموال .


وتقوم البنوك المركزية بما يلي:


1- الرقابة على البنوك التجارية.


2- القيام بجولات تفتيشية للتأكد من سلامة الإجراءات المتخذة.


3- تلزم البنوك التجارية بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة.


4- وضع عقوبات في حال عدم الإبلاغ.


5- تلزم البنوك التجارية والمؤسسات المالية والمصرفية بوضع إدارات خاصة لمكافحة غسل الأموال مهمتها الإبلاغ الفوري عن أي نشاط غير طبيعي.






الجهود الدولية والعربية في مكافحة غسل الأموال.


أولاً: الجهود الدولية في مكافحة ظاهرة غسل الأموال أهمها ما يلي:


1ـ اتفاقية فيينا لعام 1988م.


2ـ إعلان بازل لعام 1988م.


3ـ توصيات مجموعة الفاتف(FATF).


4ـ اتفاقية مجلس التعاون الأوروبي في سترواسبورغ لعام 1990 م .


5ـ الدليل الإرشادي للجماعة الأوروبية لعام 1991م .


6ـ توصيات مؤتمر مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في نابولي لعام 1994م.


7ـ توصيات المؤتمر الدولي التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين بالقاهرة لعام 1995م.






ثانياً: الجهود العربية في مكافحة ظاهرة غسل الأموال أهمها مايلي:


1ـ القانون العربي الموحد للمخدرات النموذجي لعام 1986م.


2ـ الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1994م.


كما سنت الدول العربية أنظمة لمكافحة غسل الأموال ومثال ذلك :


· قانون غسل الأموال رقم 80 لسنة 2002 م


· قانون 181لسنة 2008م الخاص بتعديل بعض أحكام القانون رقم 80.


· قانون مكافحة غسل الأموال في سوريا الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59/ وتاريخ 9/9/2003م


· القانون الاتحادي الإماراتي لتجريم غسل الأموال رقم 4 لسنة 2002م


· نظام غسل الأموال السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م / 39 بتاريخ 25/6/1424هـ. وتم تعديله بموجب المرسوم الملكي رقم م / 31 وتاريخ 11/5/1433هـ .


· القانون القطري رقم 4 لسنة 2010م بشأن مكافحة غسل الأموال.


الدور القضائي لمكافحة غسل الأموال :


مرفق القضاء له دور رائد في القضاء على كافة أنواع الجرائم الخطيرة منها وغيرها , فلا بد لكل جريمة أن يكون لها ما يناسبها من العقوبة وقد سارعت الدول في تجريم الجرائم المنظمة وسن الأنظمة المعاقبة لها , وقد حرصت المملكة العربية السعودية على القضاء على الجرائم المنظمة وغسل الأموال وذلك عن طريق التوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات, وسن الأنظمة كنظام نظام غسل الأموال السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م /39 بتاريخ 25/6/1424هـ والذي نصت المادة السادسة والعشرون منه على "أن المحاكم العامة هي المختصة بالفصل في الجرائم الواردة فيه", كما نصت المادة السابعة والعشرون على أن "تتولى هيئة التحقيق والإدعاء العام التحقيق والإدعاء أمام المحاكم العامة".


وقد وضع المنظم عقوبات رادعة لمرتكبي جرائم غسل الأموال فنصت في المادة السادسة عشرة منه على "أن عقوبة مرتكب جريمة غسل الأموال السجن لمدة لا تزيد عن عشر سنوات وبغرامة مالية لا تزيد على خمسة ملايين ريال بالإضافة إلى مصادرة الأموال المضبوطة, كما نصت المادة السابعة عشرة:"وتصل العقوبة إلى خمس عشرة سنة وغرامة مالية لا تزيد على عشرة ملايين ريال إذا اقترنت جريمة غسل الأموال بأي من الحالات التالية :


أ ـ إذا ارتكب الجاني الجريمة من خلال عصابة منظمة .


ب ــ استخدام الجاني للعنف أو الأسلحة.


ت ــ شغل الجاني وظيفة عامة واتصال الجريمة بهذه الوظيفة, أو ارتكب الجريمة مستغلاً سلطاته أو نفوذه.


ث ــ التغرير بالنساء أو القصر واستغلالهم.


ج ــ ارتكاب الجريمة من خلال مؤسسة إصلاحية أو خيرية أو تعليمية أو مرفق خدمة اجتماعية .


ح ــ صدور أحكام محلية أو أجنبية سابقة بالإدانة بحق الجاني , وبوجه خاص في جرائم مماثلة".


ولضمان استقلال القضاء واستقراره حرصت المملكة على التدرج في القضاء فالأحكام القضائية تمر بثلاث مراحل هي المحاكم الابتدائية ثم محاكم الاستئناف ثم المحكمة العليا كأعلى سلطة قضائية.


وتختص المحكمة العليا كما في المادة الحادية عشرة من نظام القضاء على" أن تتولى المحكمة العليا بالإضافة إلى الاختصاصات المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية . مراقبة سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها في القضايا التي تدخل ضمن ولاية القضاء العام, وذلك في الاختصاصات الآتية:


1ـ مراجعة الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف, بالقتل أو القطع أو الرجم أو القصاص في النفس أو فيما دونها.


2ـ مراجعة الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف المتعلقة بقضايا لم ترد في الفقرة السابقة أو بمسائل إنهائية ونحوها, وذلك دون أن تتناول وقائع القضايا, متى كان محل الاعتراض على الحكم ما يلي:


أ ـ محالفة أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها .


ب ــ صدور الحكم من محكمة غير مشكلة تشكيلاً سليماً طبقاً لما نص عليه في هذا النظام وغيره من الأنظمة.


ج ــ صدور الحكم من محكمة أو دائرة غير مختصة .


دــ ــ الخطاء في تكييف الواقعة , أو وصفها وصفاً غير سليم."


كما أن المحكمة العليا مختصة بتقرير المبادئ العامة القضائية بنص المادة الثالثة عشرة من نظام القضاء, وعليه فتصدر المحكمة مبادئ عام لجميع المسائل القضائية , ومنها الجرائم المنظمة عابرة الحدود وغسل الأموال


فاختصاص المحكمة العليا يتصمن جانباً تشريعياً وهو تقرير المبادئ القضائية في تلك الجرائم وجانباً تدقيقياً وهو تدقيق الأحكام القضائية في تلك الجرائم في الأحوال الأربعة المدكورة.






والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جرائم الإيذاء العمدي

النظريات المفسرة للسلوك الاجرامي

علاقة علم العقاب بباقي فروع العلوم الجنائية الأخرى