وسائل الاثبات في القانون الجنائي المغربي -الجزء الاول -




وسائل الاثبات في القانون الجنائي المغربي

وسائل الاثبات في القانون الجنائي المغربي




تعريف الإثبات:
 لم يعرف المشرع المغربي الإثبات، لا في القانون المدني بقسميه ولا في القانون الجنائي، لذلك يمكن أن نعرف
إثبات الجنائي بأنه هو إقامة الدليل على أن المتهم ارتكب الفعل المنسوب اليه.

لئن كانت وسائل الإثبات أو أدلته تهيأ في المواد المدنية قبل النزاع وقبل اثارة الدعوى، فان العكس في المواد الجنائية هو الواقع لذلك فان الأدلة في الحقل المدني تختلف اختلافا كبيرا عنها في الحقل الجنائي، فالمتعاملون في الحقل المدني يهيئون الدليل قبل إقدامهم على أية معاملة قرض، بيع مناقلة، الخ، أي في جميع التصرفات القانونية، وأول هذه الأدلة وأقواها هو الكتابة، بينما في الحقل الجنائي فان الأفعال التي يقوم بها المتهم كلها مخالفة للقانون، لذلك يعمل جاهدا على إخفائها عن الأعين، الشيء الذي جعل المشرع يتوسع في إثبات الأفعال المخالفة للقانون وأجاز إثباتها بجميع وسائل الإثبات كشهادة الشهود والقرائن.

طرق الإثبات :
للإثبات في المواد الجنائية طريقتان :
1- الطريقة القانونية (1): وهي الطريقة التي رسمها القانون وحددها والتزم القاضي باتباعها ويعرض حكمه للنقض كلما خالفها (2) ويمكن ان نسمي هذه الطريقة بالطريقة الموضوعية وهي بالحقل المدني أليق منها بالحقل الجنائي وقد ظهرت هذه الطريقة لتحد من غلواء النظرية الثانية التي تعتمد بالدرجة الاولى على قناعة القاضي الوجدانية، وقد اخذت الشريعة الاسلامية بهذه الطريقة في اثبات جرائم الحدود، فألزمت القاضي بان يدين المتهم كلما أثبت خصمه بشهادة رجلين او رجل وامرأتين او اربعة شهداء في جرائم القذف (3)، وهذه الطريقة تجعل القاضي يصدر احكاما ولو كان غير مقتنع بها.

2- الطريقة الوجدانية او الشخصية، وهي التي تعتمد بالدرجة الاولى على قناعة القاضي في كون المتهم ارتكب الفعل المنسوب اليه ام لا.

ويستطيع ان يبعد شهادة الشهود وحتى اعتراف المتهم متى تبين له من خلال الوقائع والاحداث عدم صحتها، وهذه الطريقة هي اولى الطريقتين ظهرت في العالم القانوني ثم اختفت بعض الشيء امام ظهور الطريقة القانونية. وفي مطلع العصر الحديث بدأت في الظهور، وقد اخذت بها معظم الشرائع الحديثة، ومن جملتها التشريع المغربي الذي نص في الفصل 288 من قانون المسطرة الجنائية على انه " يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الاثبات ما عدا في الاحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك، ويحكم القاضي حسب اعتقاده الصميم".

فإذا رأى ان الإثبات غير قائم قرر عدم إدانة الشخص المتهم وحكم ببراءته، الا انه لا ينبغي ان يفهم من هذا النص او من طريقة الاثبات الوجداني ان القاضي الجنائي في تكوين قناعته كيفما شاء بطريقة اعتباطية والا لأصبح يدين من يشاء، وانما يجب عليه ان يكون قناعته من الأدلة والحجج والمناقشات التي راجت أمامه ويعلل تكوين هذه القناعة والطريقة التي سلكها في تكوينها.

وقد نص الفصل 289 من قانون المسطرة الجنائية على انه ( لا يمكن للقاضي ان يبني مقرره الا على حجج عرضت اثناء الاجراءات ونوقشت شفاهيا وحضوريا امامه) والفصل 290 من نفس القانون ينص على انه اذا كان اثبات الجريمة متوقفا على حجة جارية عليها أحكام القانون المدني فيراعى القاضي في ذلك قواعد القانون المذكور.

فلإثبات جريمة خيانة الامانة مثلا يجب اثبات الوديعة التي وضعت عند المتهم والوديعة تثبت اذا كانت قيمتها تفوق250 درهم.
أو غير محددة القيمة بعقد كتابي، كما نص على ذلك الفصل 443 من قانون العقود والالتزامات ولا يمكن ان تثبت خيانة الامانة متى تعدى المبلغ المذكور، ولو أحضر المدعى الشخصي الشهود الذين عاينوه وهو يدفع الأمانة للمتهم او المتهم وهو يبدد الأمانة لان القانون حدد اثبات هذه الجريمة، لذلك نرى ان بعض الرواسب من الطريقة القانونية لا زالت موجودة في التشريع الجنائي الحديث.

عبء الإثبات :
من المبادئ العامة في القانون ان البينة على المدعى لانه هو الذي يدعي خلاف الأصل في الحقل المدني بمفهومه الواسع فعبء الاثبات اذا في الحقل الجنائي يقع على عاتق النيابة العامة باعتبارها تمثل المجتمع وتملك سلطة الاتهام، ولذلك يقال بان السلطة القضائية في الحقل الجنائي تتكون من شقين: سلطة الاتهام وسلطة الحكم. فالنيابة اذن باعتبارها سلطة الاتهام هي الملزمة بتقديم الدليل على ان المتهم الذي قدمته للمحاكمة هو الذي قام بالفعل، ويساعد النيابة العامة في هذه التهمة في بعض الاحيان الضحية الذي ينتصب مطالبا بالحق المدني فللمتهم الماثل امام المحكمة ان ينكر الفعل المنسوب اليه، وليس ملزما بتقديم دليل لتأييد إنكاره او سبب لوقوع الفعل، والنيابة العامة هي الملزمة بتقديم هذا الاثبات، الا ان هناك بعض الحالات يجب فيها على المتهم ان يثبت ما يدعيه وذلك عندما لا ينكر الفعل المنسوب اليه، ولكنه يدعي سببا من اسباب التبرير(4) او اسباب الإباحة، سوء كانت هذه الاسباب معفية من العقوبة تماما، او منخفضة منها، فالمتهم الذي يدعي انه ارتكب جريمة قتل مثلا ولكن الدفاع عن نفسه يجب عليه ان يثبت حالة الدفاع الشرعي المنصوص عليها في الفصلين 124 و125 من القانون الجنائي، فالفصل 124 ينص على انه " لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة في الاحوال الآتية: 1 و2 و3 اذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة للدفاع الشرعي عن نفس الفاعل او غيره او عن ماله او مال غيره، بشرط ان يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء".

1- القتل والجرح والضرب الذي يرتكب ليلا لدفع تسلق او كسر حاجز او حائط مدخل دار او منزل مسكوت او ملحقاتهما.
2- الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل او عن نفس غيره ضد مرتكب السرقة او النهب بالقوة.

والمتهم الذي ضبط في يده المسروق ويدعي انه اشتراه او تسلمه وديعة فعليه إثبات الشراء او الإدلاء برسم الوديعة او شهود على ذلك، وكذلك من ضبط في حالة تلبس بجريمة الفساد ويدعي ان شريكته هي زوجة له فعليه إثبات الزواج الى غيرها من الامثلة الكثيرة، وكذلك من يدعي ان قام بجريمة الضرب المفضي الى الموت مثلا لانه كان في حالة استفزاز فعليه ان يثبت ذلك.

والقاضي الجنائي عند دراسته لاية قضية جنائية ينطلق من مبدأين اثنين:
1- الأصل هو البراءة: بما ان كل انسان يعتبر بريئا الى ان يدان بمقتضى حكم نهائي وقد اصبح هذا المبدأ دستوريا فانه يتعين على القاضي الجنائي :
ان ينظر الى المتهم الماثل امامه كشخص برئ و لا يصدر حكمه ولو نفسيا الا بعد دراسة الملف والادلة دراسة وافية ولا ينطلق من كون المتهم من ذوي السوابق او ان صفته او طريقته في الاجوبة او إنكاره المطبق قرائن على انه مجرم.

2- الشك لمصلحة المتهم : القاضي مدنيا كان او جنائيا لا يصدر أحكامه الا بعد ان تتكون عنده قناعة تامة ويقين ينتفي معه أي شك مهما كان ضئيلا، والقاضي الجنائي مطالب بتكوين قناعته من صميم ضميره الحر والوثائق والوقائع المكونة للقضية، لذلك يتعين عليه ان يصدر حكما بالبراءة كلما خامره شك ينقص من يقينه واعتقاده التأمين، ولقد صدق الرسول عليه السلام الذي قال ( لئن يخطئ الامام في العفو افضل من ان يخطئ في العقوبة) وقديما قيل ( تبرئة مائة متهم افضل من ادانة برئ واحد) لانه ليس من مصلحة العدالة والمجتمع ان يدان برئ من اجل جريمة ارتكبها غيره وأي ظلم يشعر به برئ أدين غلطا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جرائم الإيذاء العمدي

النظريات المفسرة للسلوك الاجرامي

علاقة علم العقاب بباقي فروع العلوم الجنائية الأخرى