جرائم النصب العاطفي في عالم الإنترنت

















جرائم النصب العاطفي في عالم الإنترنت





بظهور مواقع التواصل الاجتماعي وتوسع استخدامها ربما يكون قد ظهر نوع جديد من جرائم النصب يمكن تسميته بالنصب العاطفي، الذي تقع في فخه الضحية بكامل إرادتها أو براءتها. في عالم افتراضي قد لا تصدق فيه الوجوه ولا الصور ولا الأسماء، أصبح من الأسهل على أي نصاب اصطياد فريسته، خاصة إذا كانت هذه الفريسة تذهب إلى العالم الافتراضي بنقص أو حاجة عاطفية ما تظن أن كائنا افتراضيا قد يكون هو الأمل المنتظر لحلها.


نقرأ كثيرا وربما نسمع عن اشخاص تورطوا في حالات كتلك، وربما يكون أقل خسائرها هو الشعور بالخداع، فقد يتطور أحيانا لما هو أبعد من ذلك إذا تجاوزت العلاقة عالم الواقع الافتراضي إلى عالم الواقع، وتكون الخسائر مادية والجاني مجهول أو لن يستدل عليه، لأن عنوانه واسمه وهميان في عالم وهمي وافتراضي.


المحامية نيفين معرفي قالت إن عدم وجود تشريع خاص يعاقب على الجريمة الالكترونية وصعوبة الوصول لمرتكبها، زاد من حدوث هذه الجرائم في الفترة الأخيرة، لذلك طالبت بسن قوانين لهذه القضايا واستخدام تقنيات علمية حديثة للتحقيق والكشف عن مرتكبيها. ثم روت قصة قضية لم يستدل على الجاني فيها حتى اليوم:


- تعرفت موكلتي على شخص على شبكة الانترنت وقام باستدراجها عاطفيا، ثم أوهمها أن هناك مشورعا تجاريا يدر الكثير من الأموال، ومن الربح سوف يدفع مهرها الكبير بعد أن يتقدم لها، وكانت هي راغبة جدا في الزواج لكونها عازبة كبيرة السن.


أوهمها بالطبع أنه شخص معروف وله وضع اجتماعي جيد وانجذبت لاسم عائلته المعروفة، فقبلت أن تعطيه 40 ألف دينار نقدا ليبدأ مشروعه بعد عدة محادثات تلفونية أكد لها فيها أنه يجب أن يحصل على المبلغ نقدا لأن صرف الشيك يحتاج الى وقت، وهو مستعجل على البدء في المشروع، وأنه سيربح سريعا 20 ألف دينار ستكون هي مهرها بعد أن يرد لها المبلغ الذي أقرضته إياه.


وتواعدت معه فعلا وجاءها بسيارة فخمة مستأجرة باسم شخص خارج الكويت، واكتشفنا فيما بعد أن شريحة النقال التي كان يستخدمها باسم شخص منتهية اقامته وغير موجود في الكويت أيضا. ما حدث بعد ذلك أنها اتصلت به عدة مرات فرد عليها أحدهم وقال لها أنا مسافر، ثم بعد أيام أغلق الجهاز تماما وما زال مغلقا منذ 6 أشهر، وقيدنا القضية لعلنا نعثر على الجاني يوما ما، وموكلتي تعالج الآن نفسيا من الصدمة.


إن هذه النوعية من الجرائم ربما كانت موجودة في السابق لكنها توسعت وانتشرت عندما أصبحت وسائل الاتصال الحديثة في كل يد، سواء الهواتف الذكية أو الأيباد أو الأيبود أو اللابتوب. وأضافت متحدثة عن الشريحة الأكثر عرضة لأن تكون ضحية هذا النوع من النصب العاطفي وعن نموذج من هذه الجرائم التي مرت عليها:


- أكثرهن من البنات الصغيرات غير المتزوجات قليلات الخبرة في الحياة، وإن كان هناك نساء متزوجات أيضا اندفعن بهذا الاتجاه بسبب الحياة الزوجية التعيسة أو قلة اهتمام الزوج بالناحية العاطفية. ولكن ليست هناك شريحة اجتماعية أو طبقة تزيد فيها هذه الجرائم أكثر من غيرها.


الصعوبة التي تواجه المحقق في هذه الجرائم أنها ليست جرائم عادية وإنما جرائم تكنولوجية تحتاج الى متخصص لكشفها ولكثير من البيانات حتى يمكن الوصول فيها إلى نتيجة. والأساليب المعتادة في التحقيق العادي لا تؤدي الغرض ولا تفيد، وتحتاج الى تطوير أساليب التحقيق. والصعوبة الأخرى في هذا النوع من القضايا أن الخصم خفي وقد يكون رجلا وتظنه الضحية امرأة أو العكس، فأحيانا يكون المتهم الرجل يدّعي أنه امرأة ويخوض تجارب عاطفية مع رجل. في رأيي أنه يجب تغليظ العقوبة في هذا النوع من القضايا وأن تمتلك الضحية الشجاعة للتبليغ حتى لا تقع في خطأ أكبر.


وذكرت تفاصيل قضية عرضت عليها من هذه النوعية بقولها:


- جاءتني بنت كانت تتعرض لظروف واضطرابات في أسرتها، ولم يكن الأب أو الأم موجودين لسماعها والاهتمام بها واحتوائها، فتعرفت على شخص عن طريق الانترنت وبالتدريج طلب منها فتح الكاميرا ليراها، ونصب عليها عاطفيا وبعدها صورها ثم اختفى فجأة، ثم عاد بعد فترة بوجه آخر غير وجه المحب وبصورة ذئب يريد ابتزازها بصورها ماديا وعاطفيا.


البنت وجدت أنها ستضيع تماما، فحكمت عقلها وأبلغت والدها بالموضوع حتى لا تتمادى في الخطأ وتقع فيما هو أكبر.






ضحاياها شخصيات خجولة تعاني عزلة اجتماعية






الاستشاري النفسي د. مروان المطوع تحدث عن الشخصيات الأكثر عرضة للوقوع ضحايا هذه الجرائم بقوله:


- هناك أسباب عميقة لبحث بعض الأشخاص عن العلاقات العاطفية في عالم الانترنت، وقد أثبتت الدراسات أن نسبة كبيرة منهم لديهم ضعف في الثقة بالنفس وعدم قدرة على مواجهة عالم الواقع. وهم غالبا شخصيات خجولة وأحيانا ما يكون لديهم تشوه في صورة الذات أو يشعرون بالرفض في عالم الواقع، فيتجهون إلى عالم خيالي افتراضي لتغطية هذا الشعور بالتشوه. العلاقة العاطفية تتطلب الحوار والتفاعل اللفظي بين الطرفين وتشترك حواس السمع والبصر في هذا التفاعل. هذا الشخص يشعر أنه غير قادر على ذلك فيتجه الى علاقة عاطفية لا تحتاج الى مواجهة.


أغلب هؤلاء الضحايا أيضا يعانون من عزلة اجتماعية وقلة أصدقاء وليس لديهم هوايات أو مهارات ليشغلوا انفسهم بها في حياتهم الفعلية، فينسحبون من عالم الواقع إلى عالم يشعرون فيه بالأهمية ويشبع حاجاتهم الاجتماعية والنفسية والعاطفية.. عالم خلف الأبواب المغلقة يتحررون فيه من النقد الاجتماعي والرقابة الأسرية.


والمرأة أكثر عرضة للوقوع في المصيدة العاطفية تلك ولديها قابلية أكبر لتصديق الخداع، وبعض الرجال محترفون في سد الفجوات العاطفية التي قد تعاني منها المرأة، فيعطيها كل الأحاسيس التي تنقصها ويسكنها في قصر من خيال.






مجرم ذكي


ثم تحدث د. المطوع عن المجرم العاطفي أو نصاب الانترنت ووصفه بالمجرم الذكي الذي يستطيع التأثير على ضحيته عن بعد وأضاف:


- هو رجل متخصص في اللعب في العالم الافتراضي، ويقوم بدراسة حالة المرأة من أول تعارف، فيقرر كيف سيعاملها وبأي وجه سوف يسيطر عليها، ويتبع معها تكتيكات معينة حتى تبقى في مداره. فبعد أن يتاكد أنها تعلقت به عاطفيا يختفي فجأة حتى تشعر بالقلق والخوف من فقدانه، ثم يعود بمبررات كاذبة لاختبار شدة اشتياقها له. وفي المرحلة التي تليها ينقل العلاقة إلى عالم الواقع ليستغلها إما ماديا أو جنسيا بحسب هدفه.


واكتشاف المرأة للحقيقة بعد أن يخلع قناعه قد يعرضها لصدمة نفسية أو اكتئاب تفاعلي أو فزع وهلع واضطرابات في النوم وفقدان شهية وإهمال لواجباتها الأسرية والوظيفية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جرائم الإيذاء العمدي

النظريات المفسرة للسلوك الاجرامي

علاقة علم العقاب بباقي فروع العلوم الجنائية الأخرى