الجرائم ضد الإنسانية



الجرائم ضد الإنسانية









المبحث الأول


مفهوم الجرائم ضد الإنسانية


تعد الجرائم ضد الإنسانية حديثة العهد نسبيا على الصعيد القانوني الدولي، وفي بعض القوانين الوطنية ولم يكن لها تعريف مستقل عن جرائم الحرب إلا بعد الحرب العالمية الثانية عندما تطرقت لها المادة السادسة الفقرة (ج) من النظام الأساسي للمحكمة العسكرية "نورمبرج" .


وبعد تأثيم الأفعال المكونة لهذه الجرائم وسيلة سهلة وفعالة لتوفير الحماية الجنائية لحقوق الإنسان في وقت السلم والحرب بل وتمثل أحد الضمانات الأساسية للحد من طغيان الحكام الذين يتنكرون لقيم الإنسانية العليا ويهددون حقوق بعض الفئات أو الجماعات الإنسانية لأسباب سياسية أو دينية أو عنصرية .


وسوف أحاول أن أستعرض مفهوم الجرائم ضد الإنسانية في بعض المواثيق ونظم المحاكم الدولية التي صدرت في العصر الحديث.


أولا- الجرائم ضد الإنسانية في ميثاق نورمبرج:


ارتكب النازيون، وغيرهم من أطراف النزاع في الحرب العالمية الثانية مجازر بشعة في حق رعيا بعضهم من المدنيين والعسكريين، وانفراد النازيون بارتكاب فظائع وجرائم وحشية في حق الرعايا الألمان قبل الحرب وبعدها، وخاصة من اصحاب الانتماءين الاشتراكي والشيوعي، كما تعرض اليهود والغجر وغيرهم لعملية اضطهاد وإبادة منظمة منذ عام 1933م ، وقد قدر العدد الذي تمت إبادته بنحو ستة ملايين قتل منهم اربعة ملايين في مؤسسات أنشئت خصيصا لهذا الغرض، وقد كان لهذه المذابح بالغ الأثر في تعريف الجرائم ضد الإنسانية اذ كانت المعضلة الكبر التى واجهت واضعي الميثاق أن هذه الأفعال على الرغم من وحشيتها وقسوتها التي لا تقل جرائم الحرب لم تكن تندرج تحت معناها التقليدي من الناحية الفنية فهي من جهة ارتكبت قبل نشوب الحرب من الجهة الثانية جرائم ارتكبت من قبل الألمان النازيين في حق الرعايا المدنيين من الألمان ومن ثم كان ابتداع مصلح الجرائم ضد الإنسانية [3] .


لقد عرفت المادة( 6/ ج) من ميثاق نومبرج مصطلح الجرائم ضد الإنسانية: "القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، الإبعاد، والأفعال اللا إنسانية الأخرى المرتكبة ضد أية مجموعة من السكان المدنيين قبل الحرب أو أثناءها أو الاضطهادات لأسباب سياسية، عرقية أو دينية، تنفيذا لأي من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة وارتباطا بهذه الجرائم سواء كانت تشكل انتهاكا للقانون الوطني للدولة التي ارتكبت فيها أم لا تشكل دلك" [4] .


وبالرغم من التعريف الدقيق والمبادئ المهمة التي أرستها المادة ( 6/ ج) من الميثاق إلا أنه يؤخذ على هذا التعرف أنه لم يفرق بين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إذ هناك تشابه بينهما في رأي الفقهاء خاصة عندما ارتكبت الأفعال الجرمية ضد المدنيين بشكل واسع النطاق في زمن الحرب، وكان من الملاحظ ميل المحكمة لمعاقبة الفعل كجريمة حرب فإن تعذر عليها ذلك عاقبت عليه كجريمة ضد الإنسانية [5].


ولقد كان هذا دافعا أساسيا لفقهاء القانون الدولي للسعي لإيجاد أنظمة أخرى لتحديد الجرائم ضد الإنسانية وتطوي مفهومها.


ثانيا- الجرائم ضد الإنسانية في القانون رقم (10) لمجلس الرقابة على ألمانيا:


أصدر الحلفاء في 20/12/1945م القانون رقم ( 10 ) لمجلس الرقابة على ألمانيا لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية من القادة الألمان وقد اشتمل القانون على عدة مواد أهمها المادة ( 6/ ج) التي عرفت الجرائم ضد الإنسانية بأنها "الفظائع والجرائم التي تضم بشكل غير حصري القتل العمد، الاسترقاق، الإبعاد، السجن، التعذيب، الاغتصاب، أو أيا من الأفعال اللا إنسانية المرتكبة ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، أو الاضطهادات لأسباب سياسية، أو عرقية، أو دينية، سواء كانت هذه الجرائم تشكل انتهاكا للقوانين الداخلية التي ارتكبت فيها أم لم تشكل ذلك" [6] .


ومن خلال المقارنة بين التعريف ضد الإنسانية في كل من القانون رقم ( 10 )، والنظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية "نومبرج" نجد أن القانون رقم ( 10 ) أضاف جرائم أخرى وهي السجن والتعذيب والاغتصاب مما يدل على أنه وسع مجال الجرائم عما هو موجود في تعريف محكمة نورمبرج العسكرية، ويؤكد ذلك خطورة هذه الجرائم، وسعي المجتمع الدولي إلى مزيد من البحث في تعريف الجرائم ضد الإنسانية.


ثالثا- الجرائم ضد الإنسانية في نظام المحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة:


لقد جاء تعريف الجرائم ضد الإنسانية في نظام المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في نص المادة الخامسة كما يلي:


"سوف تمارس المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة الاختصاص بمقاضاة الأشخاص المسئولين عن الجرائم التالية عندما ترتكب في النزاعات المسلحة سواء كانت ذات طبيعة دولية أو داخلية، أو تكون موجهة ضد أية مجموعة من السكان المدنيين:


1. القتل العمد.


2. الإبادة.


3. الاسترقاق.


4. الإبعاد.


5. السجن.


6. التعذيب.


7. الاغتصاب.


8. الاضطهاد لأسباب سياسية، عرقية أو دينية.


9. الأفعال اللا إنسانية الأخرى" [7] .


ويلاحظ أن المادة الخامسة المشار إليها قد أضاف جرائم السجن والتعذيب والاغتصاب التي لم تكن مذكورة في نظام المحكمة العسكرية "نورمبرج" والتي ظهرت في المادة ( 6/ ج) من القانون رقم ( 10 ) لمجلس الرقابة على ألمانيا.


إن هناك تشابه بين المادة الخامسة من نظام يوغسلافيا الدولية والمحكمة العسكرية الدولية "نومبرج" عدا الجرائم التي أضافتها المادة الخامسة، كما أن المادة الخامسة ربطت وقوع هذه الجرائم أثناء النزاع المسلح وليست الحرب كما ذكر بمحكمة نورمبرج.




رابعا- الجرائم ضد الإنسانية في نظام المحكمة الجنائية الدولية لراوندا:


أصدر مجلس الأمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لراوندا عام 1994م لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وقد تضمن نظام المحكمة في المادة ( 3 ) منه تعريفا للجرائم ضد الإنسانية جاء فيه ما يلي:


" سيكون للمحكمة الجنائية الدولية في راوندا الاختصاص بمقاضاة الأشخاص المسئولين عن الجرائم التالية عندما ترتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أية مجموعة من السكان المدنيين لأسباب قومية، سياسية، أثنية، عرقية أو دينية:


1. القتل العمد.


2. الإبادة.


3. الاسترقاق.


4. الإبعاد.


5. السجن.


6. التعذيب.


7. الاغتصاب.


8. الاضطهاد لأسباب سياسية، عرقية أو دينية.


9. الأفعال اللا إنسانية الأخرى" [8] .


ومن خلال المقارنة بين تعريف الجرائم ضد الإنسانية الذي أشارت إليه المادة ( 3 ) من نظام محكمة راوندا الدولية، والتعريف الذي ورد في نظام محكمة يوغسلافيا السابقة نجد أن الاختلاف يتمثل في عدم ذكر النزاع المسلح في المادة ( 3 ) بل أنه اشترط وجود هجم واسع النطاق إلا أنه لم يحدد تعريفا واضحا لهذا الهجوم الذي ورد بالنظام.


خامسا- الجرائم ضد الإنسانية في المحكمة الجنائية الدولية:


لقد توالت الاجتهادات الفقهية في تعريف الجرائم ضد الإنسانية وتطوير مفهومها، وتواصلت المؤتمرات الدولية واللجان المختصة للسعي لإيجاد تعريفا شاملا يعد المرجعية الثابتة لمفهوم الجرائم ضد الإنسانية للعمل به كتشريع دولي إلى أن تكللت الجهود الدولية بالوصول إلى نظام المحكمة الجنائية الدولية، والذي تم إقرار مشروعها في مؤتمر روما الذي عقد من 10/ يونيو إلى 17 / يوليو / 1997م ، والذي أوجد لها تعريفا شاملا من خلال المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي جاء نصها كما يلي:


1. لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية "جريمة ضد الإنسانية" متى ارتكب في إطار "هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم :


أ- القال العمد؛


ب- الإبادة؛


ج- الاسترقاق؛


د- إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان؛


هـ السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي؛


و- التعذيب؛


ز- الاغتصاب، أو الاستعباد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة؛


ح- اضطهاد أية جماعة محدودة، أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية، أو قومية، أو أثنية، أو ثقافية، أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة ( 3 )، أو لأسباب أخرى من المسلم عالميا بأن بأن القانون الدولي لا يجيزها، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة؛


ط- الاختفاء القسري للأشخاص؛


ي- جريمة الفصل العنصري؛


ك- الأفعال اللا إنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.


2. لغرض الفقر ( 1 ):


أ- تعني عبارة "هجوم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين" نهجا سلوكيا يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال المشار إليها في الفقرة ( 1 ) ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، عملا لسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم أو تعزيزا لهذه السياسية؛


ب- تشمل "الإبادة" تعمل فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء من السكان؛


ج- يعني "الاسترقاق" ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية، أو هذه السلطات جميعا، على شخص، بما في ذلك ممارسة هذه السلطات في سبيل الاتجار بالأشخاص ولاسيما النساء والأطفال؛


د- يعني "إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان" نقل الأشخاص المهنيين قسرا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل آخر دون مبررات يسمح بها القانون الدولي؛


ﻫ- يعني "التعذيب" تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة، سواء بدنيا أو عقليا، بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته. ولكن لا يشمل التعذيب أي ألم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية او يكونان جزءا منها أو نتيجة لها؛


و- يعني "الحمل القسري" إكراه المرءة على الحمل قسرا أو على الولادة غير المشروعية بقصد التأثير على التكوين العرقي لأية مجموعة من السكان أو ارتكاب انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي ولا يجوز بأي حال تفسير هذا التعريف على نحو يمس القوانين الوطنية المتعلقة بالحمل؛


ز- يعني "الاضطهاد" حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرمانا متعمدا وشديدا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي، وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع؛


ح- تعني "جريمة الفصل العنصري" أية أفعال لا إنسانية تماثل في طابعها الأفعال المشار إليها في الفقرة ( 1 ) وترتكب في سياق نظام مؤسس قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجي من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء جماعة أو جماعات عرقية أخرى وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام.


ط- يعني "الاختفاء القسري للأشخاص" إلقاء القبض على أي شخص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه. ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة؛


3. لغرض هذا النظام الأساسي، من المفهوم أن تعبير "نوع الجنس" يشير إلى الجنسين، الذكر والأنثى، في إطار المجتمع، ولا يشير تعبير نوع الجنس إلى أي معنى آخر يخالف ذلك [9] .


وبالرغم من أن المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية أوجدت تعريفا للجرائم ضد الإنسانية كان خلاصة جمعت كل التعريفات السابقة واستفادت من الثغرات التي كانت بها إلا أنها اشتملت على بعض الجرائم الموجودة أصلا في القوانين الوطنية كالقتل والاغتصاب مما أوجد تنازعا بين المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية ومثال ذلك ما يجري من تنازع في الاختصاص في الجرائم التي نجمت عن الصراع القبلي في "درفور" واتخذ مجلس الأمن قرارا بتحويلها إلى المحكمة الجنائية الدولية في حين أن حكومة السودان ترى أنها من اختصاص محاكمها الوطنية [10] .







المبحث الثاني


أركان الجرائم ضد الإنسانية


لقد عرفت المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي أقرت بروما عام 1998م الجرائم ضد الإنسانية بأنها الأفعال اللا إنسانية الجسيمة الاضطهادات التي تقع حصرا على إنسان أو مجموعات إنسانية لأسباب سياسية أو عرقية أو القومية أو الدينية أو أثنية أو ثقافية أو متعلقة بنوع الجنس "ذكرا أو أنثى" متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أي مجوعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم ولكي تكون هذه الجريمة دولية ضد الإنسانية لابد من توافر أركانها وهي: الركن المادي والركن المعنوي والركن الدولي والركن الشرعي وسأتعرض لكل ركن بشيء التفصيل في هذا المبحث.


أولا – الركن المادي:


يقوم الركن المادي للجريمة ضد الإنسانية، على مجموعة من الأفعال الخطرة التي تصيب إحدى المصالح الجوهرية الإنسان أو مجموعة من البشر يجمعهم رباط سياسي واحد أو عرقي أو ديني أو قومي أو اثني أو متعلق بنوع الجنس "ذكر أم أنثى" فالمجني عليه أو المجني عليهم في هذه الجريمة هم الذين ينتمون إلى عقيدة دينية واحدة، أو مذهب سياسي واحد، أو قومية واحدة أو أبناء عرق واحد، أو من الذكور أو من الإناث، والأفعال التي يقوم بها الركن المادي لهذه الجريمة يجب أن ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق، أو منهجي ضد أية مجموعة من السكان المدنيين المادة ( 8/1 ) من نظام روما الأساسي ويقصد بالهجوم الموجه ضد مجموعة من السكان المدنيين نهجا سلكيا يتضمن تكرار ارتكاب الأفعال التي تقع بها الجريمة ضد أية مجموعة من السكان المدنيين التي تنتمي إلى إحدى الروابط السابقة تنفيذا لسياسة الدولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم أو تعزيزا لهذه السياسة" ( م7/2/أ ) من نظام روما الأساسية 1998م " ويشترط لقيام الجريمة أن تتمثل في مظهر مادي ملموس يعد انعكاسا لها في الواقع، والإنسان هو الفاعل للجريمة وهذا يتمثل في السلوك الإيجابي أو السلبي الذي يؤدي إلى نتيجة يجرمها القانون فالعناصر الأساسية لهذا الركن تنطبق على الجريمة كما هو الحال في القانون الداخلي وهي السلوك أو العمل أو الفعل المحظور الذي يصيب المصالح الدولية بضرر أو يعرضها لخطر، ويتخذ الركن المادي في الجريمة إما سلوكا إيجابيا يتمثل في القيام بفعل إجرامي وإما سلوكا سلبيا في الامتناع عن القيام بفعل يأمر به القانون [11] .


ولكن هذه الأفعال التي عددتها الاتفاقات الدولية وبعض التشريعات الوطنية التي أرست مفهوم الجرائم ضد الإنسانية تعد جرائم حق عام في القوانين الداخلية وعلى سبيل المثال جريمة القتل وجريمة الاغتصاب والإجهاض والتعذيب والاعتداء على الحرمة الجسدية والعقلية وغيرها من الأفعال المحرمة من قبل التشريعات الوطنية قبل ظهور مفهوم الجرائم ضد الإنسانية فالركن المادي في هذه الجرائم نسخة مطابقة لجرائم الحق العام ويتضح ذلك من خلال النصوص التي تحدد الأفعال المكونة للجرائم ضد الإنسانية سواء في المادة ( 6 ) الفقرة (ج) من النظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية "نورمبرج" أو المادة ( 7 ) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وهذا التشابه بين القانون الداخلي والقانون الجنائي الدولي في تكييف هذه الجرائم هو الذي دفع البعض إلى القول بعدم وجود فائدة من إرساء هذا النوع من الجرائم والاكتفاء بهذه الأفعال على أنها حق عام يمس الإنسانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة [12] .





ثانيا- الركن المعنوي:


الجريمة ضد الإنسانية جريمة مقصودة يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي والقصد الجنائي الذي يجب أن تقوم عليه هو القصد الخاص إلى جانب القصد العام، فالقصد العام يتكون من العلم والإدارة أي علم جنائي بأركان الجريمة أي كما يتطلبها القانون، إضافة إلى لانصراف إرادته لارتكاب هذه الجريمة وتحقيق نتائجها في حين أن القصد الخاص يتكون من العلم والإرادة أيضا إلا أنه يتميز عن سابقه بكونه لا يقتصر على أركان الجريمة بل يمتد إلى واقع ليست من أركان الجريمة، فالقصد الخاص هنا إضافي بمعنى ألا قيام له بدون قصد عام، فحتى الجرائم التي يتطلب القانون فيها قصدا خاصا لابد من توافر القصد العام فيها [13] لذلك يجب أن يعلم الجاني أن فعله ينطوي على اعتداء جسيم علة حقوق الإنسان الأساسية إما في صورة إهدار كلي لها وإما في صورة الحط من قيمتها ويجب أيضا أن تتجه إرادته إلى هذا الفعل، كما يجب أن تكون غايته من هذا الفعل وهذا القصد الخاص إلى النيل من الحقوق الأساسية لجماعة بعينها ترتبط بين وحدة معينة "دينية، عرقي، سياسية، ثقافي". فإذا انتفت هذه الغاية ينتفي الركن المعنوي ولا تقع الجريمة ضد الإنسانية وإن كان يمكن أن تتوافر جريمة دولية أخرى مثل جرائم الحرب أو مجرد جريمة داخلية [14] .


ثالثا- الركن الدولي:


الجرائم ضد الإنسانية جرائم دولية بطبيعتها، نظرا لطبيعة الحقوق التي يتم الاعتداء عليها فهذه الجرائم التي ترتكب جميعها ضد الإنسانية صارت من موضوعات القانون الدولي واهتماماه، ويكفي لتوافر الركن الدولي أن تكون الجريمة قد وقعت تنفيذا لخطة مرسومة من جانب الدولة ضد جماعة بشرية تجمعها عقيدة معينة أو رباط معين ولا يشترط أن تكون تلك الجماعة تحمل جنسية الدولة أو لا أو يكون المجني عليه أجنبيا أو وطنيا بل الغالب هو ارتكاب هذه الجريمة على الوطنيين أي الذين يحملون جنسية الدولة، وفي هذه الحالة يكون الجاني والمجني عليه من رعايا نفس الدولة [15].


لقد أشارت مقدمة كل من الفقرة ( 1 ) والفقرة( 2/أ )من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى الركن الدولي الذي يتمثل في العناصر الأربعة التالي:


1- الهجوم الواسع النطاق أو المنهجي.


2- الهجوم الموجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.


3- كون الهجوم قد تم تبعا لسياسة دولة أو منظمة.


4- العلم بالهجوم [16] .


إن اهتمام القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان أصبح أمرا ملموسا في الآونة الأخيرة وأدى إلى اهتمام بالجرائم ضد الإنسانية وتطويرها والسعي إلى تحريم المزيد من الجرائم دوليا، التي هي أصلا محرمة من القوانين الوطنية ولكن ما نخشاه هو تداخل هذه الجرائم ذات الطبيعة الدولية مع هذه الجرائم المحرمة في القوانين الوطنية واستقلالها سياسيا من جانب الدول الكبرى لتحقيق أجندتها الخاصة كما نخشى أن تقوم بعض الفئات من مواطني هذه الدولة بالتمرد على حكوماتها والاحتماء بالقوانين والمواثيق الدولية التي تزايدت في الآونة الأخيرة كما يحدث في إقليم "دارفور" بالسودان من قبل بعض الجماعات المتمردة التي تجد الحماية من بعض المنظمات الدولية التي تعمل في هذا الإقليم المضطرب.



رابعا- الركن الشرعي:


يقصد به أن يكون الفعل مؤثما أي النص القانوني الذي يصف الفعل على أنه جريمة، ففي القانون الجنائي، الداخلي يحدد النص التشريعي الأفعال المحظورة التي يعد اقترافها جريمة وتحدد عقوبتها، غذ ينبغي أن يكون متضمنا في نص مكتوب، حيث تستبعد المصادر الأخرى بينما لا وجود لمثل هذه الشروط في القانون الدولي الجنائي، نظرا لطبيعة الجرائم ضد الإنسانية لاستنادها إلى قواعد عرفية أرستها الاتفاقات الدولية، حيث أن القانون الدولي العام هو كذلك مستندا أساسا إلى الأعراف والعادات الدولية، كما أن بعض الدول ليس لديها قانون مكتوب كما هو الحال في الدول الإنجلوسكسونية حيث يتكون القانون عن طريق السوابق القضائية، وبطرق القياس [17] .











المبحث الثالث


أنواع الجرائم ضد الإنسانية وصورها


أنصت اهتمام القانون الجنائي الدولي على حماية الإنسان، واعتبر أن الاعتداء الجسيم عليه لاعتبارات معينة يشكل جريمة ضد الإنسانية سواء وقعت في وقت الحرب أم السلم، ولعل أهم الاتفاقيات الدولية التي أبرمت لمواجهة الجرائم ضد الإنسانية هي اتفاقية مكافحة إبادة الجنس البشري والعقاب عليها التي أبرمت سنة 1948م ، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م ، كما أن هناك أفعالا أخرى ظهرت أثناء النزاعات المسلحة في القرن العشرين مثل ما حدث في يوغسلافيا السابقة وراوندا كيفتها المحاكم الجنائية الدولية على أنها تمثلا جرائم ضد الإنسانية منها جريمة الاغتصاب والاستبعاد الجنسي، وجريمة الاختفاء القسري، كما غطت المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أحد عشر صنفا من الجرائم ضد الإنسانية التي نادى المجتمع الدولي بضرورة تجريمها منذ فترة طويلة وقد عرفت المادة ( 7 ) من النظام الأساسي معظم هذه الجرائم، وسنتناولها بشيء من التفصيل في هذا المبحث حسب ما ورد بنص المادة ( 7 ).


أولا- جريمة القتل العمد:


جريمة القتل العمد هي إحدى الجرائم ضد الإنسانية ونصت عليها الفقرة (أ) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة وجاء نصها كما يلي:


1 - لغرض هذا النظام الأساسي يشكل أي فعل من الأفعال التالية "جريمة ضد الإنسانية" متى ما ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم:



أ-"القتل العمد". ولا تكتمل جريمة القتل العمد إلا بوجود أركانها الثلاثة المتمثلة في أن يقتل المتهم شخصا أو كثير ويرتكب ذلك الفعل كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين، ويشترط علم المتهم بأن هذا التصرف الفعل جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من الهجوم [18] .


يستوي في هذه الجريمة أن تكون الأفعال المعاقب عليها ارتكبت بقصد القتل أو نتج عنها القتل العمد كنتيجة حتمية لهذا الأفعال ولذلك يستوي استعمال تعبير قتل أو تسبيب موت للتعبير عن نفس المفهوم [19] .


وعلى ذلك يعني القتل العمد، في هذه الشأن، أي شكل من أشكال إزهاق الروح غير ناجمة عن حكم قانوني صادر بالإعدام من محكمة مختصة حسب نص اتفاقية جنيف الرابعة سنة 1949م [20] .


وفقا لنظام المحكمة الجنائية الدولية وتحديدا الفقرة ( 1/أ ) من المادة ( 7 ) فإن جريمة القتل العمد كجريمة ضد الإنسانية هي جريمة ضد شخص أو أكثر في نطاق مجموعة من المدنيين، وذلك ضمن سياسة عامة تنتجها الدولة أو عصابة في إطار سياسة هذه الدولة، وإن يعلم الجاني بحقيقة هذه الأفعال.


ومن صور جرائم القتل العمد التي تعد جرائم ضد الإنسانية المذابح التي ارتكبها العدو الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في صبرا وشتيلا عام 1982م التي راح ضحيتها أكثر من ( 1800 ) شخصا من الفلسطينيين و اللبنانيين من الرجال والنساء والأطفال، كذلك المذابح التي تمت بقانا بلبنان عام 1996م ثم مذبحة مخيم جنين في فلسطين عام 2002م ،وما قامت به القوات الصربي بيوغسلافيا السابقة ضد المسلمين والكروات للقضاء على السكان المدنيين بجمهورية البوسنة والهرسك 1992م [21] .


ثانيا- جريمة الإبادة:


نصت المادة ( 7 ) من نظام المحكمة في فقرتها (ب) على أن جريمة الإبادة من الجرائم ضد الإنسانية، وتقع جريمة الإبادة بالأفعال التالية:


1- أن يقتل المتهم شخصا أو أكثر بما في ذلك إجبار الضحايا على العيش في ظروف ستؤدي حتما إلى هلاك جزء من مجموعة من السكان.


2- أن يكون التصرف قد ارتكب في سياق عملية للقتل الجماعي لأفراد مجموعة من السكان المدنيين، أو كان جزءا من تلك العملية.


3- أن يرتبك التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين.


4- أن يعلم المتهم أن التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من ذلك الهجوم وفقا لنص المادة ( 8/1/ب ) من نظام المحكمة الدولية فإن أعمال الإبادة تكون عن طريق قيام المتهم بقتل شخص أو أكثر. أو بإجبار الضحايا "المجني عليهم" على العيش في ظروف تؤدي حتما إلى هلاك جزء من مجموعة السكان المدنيين ويستوي في الأعمال الإبادة الوسائل التي يستخدمها الجاني في القتل سواء كان بالسلاح الناري أم بالسم عن طريق حجز المجني عليهم عن موارد الحياة من مأكل ومشرب أو علاج على نحو يؤدي حتما إلى هلاك هؤلاء السكان المدنيين [22] .


ومن أمثلة الإبادة وصورها الحصار الذي تضربه إسرائيل على الشعب الفلسطيني، ومنع وصول الأدوية الضرورية لهم مما يؤدي إلى موت الأطفال الفلسطينيين.


ولعل الملاحظة أن هناك بعض التشابه بين جريمة الإبادة الواردة بالمادة ( 7 ) وبين جريمة الإبادة الجماعية الواردة في المادة ( 6 ) من النظام الأساسي لكن الفرق يبرز في أن مفهوم الإبادة الجماعية في م( 6 ) يكون فيه الباعث إهلاك جماعة معينة، أو جزء منها لأسباب قومية أو دينية أو عرقية كما حدث لمسلمي البوسنة والهرسك على يد القوات الصربية عام 1992م في حين أن جريمة الإبادة في و ( 7 ) ضمن الجرائم ضد الإنسانية فهي أي فعل تتحقق به جريمة الإبادة تقع على سكان المدنيين كلهم، أو جزء منهم في إطار هجوم واسع النطاق ومنظم ينتج من سياسة الدولة، أو المنظمة التي تمثلها وفي هذا يمكن الإخلاف بين جريمة الإبادة الجماعية الواردة في المادة ( 6 ) وجريمة الإبادة التي تعد من الجرائم ضد الإنسانية الواردة بالمادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.


ثالثا- جريمة للاسترقاق "الرق والعبودية":


نصت المادة ( 7/1/ج ) من نظام المحكمة الجنائية الدولة على هذه الجريمة بوصفها إحدى صور الجرائم ضد الإنسانية.


ويشترط لوقوع هذه الجريمة حسب ملحق نظام المحكمة الجنائية الدولية ما يلي:


1- أن يمارس المتهم أيا من السلطات فيما يتصل بحق الملكية أو هذه السلطات جميعا على الشخص أو أكثر من شخص مثل شراء أو بيع أو إعارة أو مقايضة هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص أو أن يفرض عليهم حرمانا مماثلا من التمتع بالحرية.


2- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي مجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.


3- أن يعلم المتهم أن التصرف جزء من ذلك الهجوم أو ينوي أن يكون جزءا منه [23] .


وقد عرفت الفقرة ( 2/ج ) من المادة ( 7 ) الاسترقاق بأنه "يعني ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية، أو هذه السلطات جميعها، على شخص ما، بما في ذلك هذه السلطات في سبيل الاتجار بالأشخاص، ولاسيما النساء والأطفال" [24] .


لقد ابرمت العديد من الاتفاقيات الدولية بهدف القضاء على الرق وأهمها الاتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة الاتجار بالرق الأبيض التي أبرمت عام 1903م وقد تعهدت فيها الأطراف بالقضاء على الرق استخدام النساء والفتيات لغرض الدعارة وقد ظهر العبيد كطبقة في المجتمع المدني في المرحلة الأخيرة من المجتمع البدائي أو العصر البدائي، وقد كان أسرى الحرب هم اول المستغلين فقد قام المنتصرون في الحرب بتحويلهم إلى عبيد، وقد فتح ظهور العبودية صفحة جديدة في تاريخ الإنسانية وابتداء استغلال الإنسان للإنسان وقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية سوقا كبيرا للرقيق وقد بذلت الأمم المتحدة جهدا كبيرا في القضاء على الرق ففي عام 1968م احال المجلس الاقتصادي والاجتماعي موضوع تجارة الرقيق على لجنة حقوق الإنسان فقامت اللجنة في عام 1972م بإنشاء مجموعة عمل بشأن الرق والقضاء على العبودية ويمكن القول أن الرق ألغي رسميا في معظم أنحاء العالم. وحسب ما ذكرته جمعية الرق التي تتخذ من لندن مقرا لها أن صور الرق تشتمل استبعاد المدينين والسخرة، واستغلال الأطفال جنسيا او طباعة جائلين أو عمال يعملون في ظروف غير إنسانية [25] .


رابعا- جريمة إبعاد سكان أو النقل القسري للسكان:


هذه الجريمة وردت في الفقرة ( 1/د ) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة التي نصت على أنه "يشكل أي فعل من هذه الأفعال جريمة ضد الإنسانية".


د- إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان.


وجاء تعريفها بالفقرة ( 2/د ) كما يلي:


" يعني أبعاد السكان أو النقل القسري للسكان" نقل الأشخاص المعنيين قسرا من المنظمة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي ويشترط لوقوعها أن يحدث الآتي:


1- أن يرحل المتهم أو أن ينقل قسرا شخصا أو اكثر إلى دولة أخرى أو مكان آخر بالطرد أو بأي فعل قسري أخر لأسباب لا يقرها القانون الدولي.


2- أن يكون الشخص أو الأشخاص المعنيون موجودين بصفة مشروعة في المنطقة التي ابعدوا منها على هذا النحو.


3- أن يكون المتهم ملما بالظروف الواقعية التي تقررت على أساس مشروعية هذا الوجود.


4- ان يرتكب هذا التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين ويعلم المتهم بذلك أو ينوي دلك وقد شهد العالم عمليات أبعاد واسعة النطاق للسكان في مراحل متعددة وكان من أهم الأمثلة لذلك ما ارتكب في الحربين العالميتين وفي فلسطين المحتلة وما كابده المسلمون والكروات على أيدي الصرب في يوغسلافيا السابقة من عمليات إبعاد ونقل فسري وحشية كانت تجسيدا لسياسة معلنة في التطهير العرقي للمنظمة وقد واجه المجتمع الدولي هذه الممارسات بالعديد من الوثائق القانونية التي كان آخرها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي يعد الوثيقة القانونية الدولية الأولى تذكر صراحة جريمة النقل القسري للسكان [26] .


ولعل هذه الجريمة انشرت في مناطق النزاعات المسلحة بصورة كبيرة وعلى سبيل المثال الاتهامات التي وجهت لأطراف النزاع المسلح في إقليم "دارفور" بالسودان من قبل المنظمات الدولية والأمم المتحدة التي اتهمت مليشيات "الجنجويد" بممارستها ضد السكان الأفارقة بالإقليم، ويجري التحقيق الآن من قبل المدعي العام بالمحكمة الدولية للوصول إلى نتائج حول هذا الاتهام، وحسنا فعلت اللجنة التي وضعت هذا النظام الأساسي حتى يتم اجتثاث مثل هذه الجرائم التي تستغل من جانب الأطراف المنتصرة في النزاعات المسلحة وفي رأيي أن يبذل العالم مزيدا من الجهد حتى يصل إلى سياسة جنائية مثلى لمعاقبة الدول التي تمارس مثل هذه الجرائم البشعة كإسرائيل ضد الفلسطينيين، والصرب ضد المسلمين والكروات.


خامسا- جريمة السجن والحرمان من الحرية الشخصية:


كلفت القوانين الوطنية والمواثيق الدولية حق الإنسان في سلامة جسده واعتبرتها من الحقوق الأساسية وقد حظر نظام المحكمة الجنائية الدولية المساس بسلامة الإنسان الجسدية إذ نصت الفقرة ( 1/ ﻫ) من المادة ( 7 ) من النظام المذكور على أنه يشكل جريمة ضد الإنسانية:


ﻫ- السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي.


وقد تمثلت شروط وقوع هذه الجريمة الواردة في ملحق النظام الأساسي كما يلي:


1- أن يسجن المتهم شخصا او أكثر، او يحرم شخصا أو اكثر حرمانا شديدا من الحرية الشخصية بصورة أخرى.


2- أن تصل جسامة التصرف إلى الحد الذي يشكل انتهاكا للقواعد الأساسية للقانون الدولي.


3- ان يكون المتهم ملما بالظروف الواقعية التي تثبت قيامه بالتصرف.


4- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين ويعلم المتهم أو ينوي أن يكون دلك العمل جزءا من الهجوم [27] .


والسجن عموما من العقوبات السالبة للحرية التي يتحقق إيلامها عن طريق حرمتن المحكوم عليه من حقه في التمتع بحريته غذ تسلبه العقوبة دلك الحق، إما نهائيا كما في السجن مدى الحياة أو بصفة مؤقتة كقضاء العقوبة كما أن هناك حالات الاعتقال الإداري لخطورة الشخص على المجتمع، ولا يعد السجن او سلب الحرية جريمة ضد الإنسانية إلا إذا كانت عملية السجن تشكل خرقا لقواعد القانون الدولي إذ لا تعد فترة السجن التي يقضيها المحكوم لعقوبة على جريمة الحكم عليه فيها جريمة ضد الإنسانية. ومن أمثلة هذه الجريمة ما قضى به ضد نلسون منديلا الزعيم الإفريقي بجنوب إفريقيا، الذي سجن اكثر من ستة وعشرون عاما بسبب نضاله السياسي ومطالبته بالقضاء على التمييز العنصري [28] .


نص على جريمة التعذيب بالفقرة ( 1/ و) بالمادة ( 7 ) من نظلم المحكمة الجنائية الدولية، التي نصت على أنه يعد من الجرائم ضد الإنسانية.


و- "التعذيب".


وقد عرفتها الفقرة ( 2/ ﻫ) كما يلي:


يعني "التعذيب" تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة، سواء بدنيا أم عقليا، بشخص موجود تحت إشراف المتهم او سيطرته، ولكن لا يشمل التعذيب أي الم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية او يكونان جزءا منها او نتيجة لها.


ويشترط لحدوث جريمة التعذيب أن يحدث الآتي:


1- أن يلحق المتهم ألما شديدا او معاناة شديدة، سواء بدنيا أم نفسيا بشخص.


2- أن يكون هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص موجودين تحت إشراف المتهم وسيطرته.


3- ألا يكون ذلك الألم أو تلك المعاناة ناشئين فقط عن عقوبات مشروعة أو ملازمين لها أو تابعين لها.


4- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق او منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزاءا من ذلك الهجوم.


5- أن يعلم المتهم ان التصرف جزءا من هجوم واسع النقاط أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من ذلك الهجوم [29].


عن اعمال التعذيب تتم بتعمد إلحاق ألم شديد بالمجني عليه أو معاناة شديدة سواء كانت بدنية أم عقلية كما يتعين ان يكون مصدري الألم والمعاناة غير مشروع بمعنى أن يتحقق ذلك في غير عقوبة قانونية صادرة ضد الجاني، كما يمكن أن يكون الباعث على هذا التعذيب اسبابا عنصرية كما حدث في جنوب إفريقيا العنصرية قبل القضاء على التمييز العنصري وما حدث لمسلمي البوسنة والهرسك بيوغسلافيا السابقة، ومن صور التعذيب أيضا ما يحدث للشعب الفلسطيني من معاملة عنصرية على أيدي الاحتلال الإسرائيلي وخاصة ما حدث بمخيم جنين عام 2002م [30] .


ويعد التعذيب من ابشع الجرائم التي يمكن أن ترتكب في حق الإنسانية فقد نص على حظره في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة ( 5 ) والمادة ( 6 ) العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أيضا والوثائق التي صدرت الأمم المتحدة والمؤسسات الإقليمية في مجال التعذيب تضمنت حظرا صريحا للتعذيب وغيره من أشكال المعاملة اللا إنسانية [31].


ومن الوثائق المهمة التي حظرت التعذيب أيضا القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين في جنيف عام( 1955م ). ولعل من الوثائق المهمة ايضا إعلان الأمم المتحدة لعام " 1984 والمنفذ عام 1987م " المتعلق بحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللا إنسانية او المهنية الذي عرف في مادته الأولى التعذيب على أنه:


"أي عمل ينتج عنه ألم او عذاب شديد جسديا كان او عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول على اعتراف، او معاقبته على عمل ارتكابه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو او شخص ثالث او تخويفه أو ارغامه هو أو أي شخص ثالث- أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب بأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، او يحرض عليه او يوافق عليه او يسكت عنه موظف رسمي او أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم او العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها" [32] .


لقد اهتمت المنظمات الدولية والإقليمية بجريمة التعذيب، كذلك الأنظمة الداخلية للدول وبذلت قصارى جهدها لتفادي هذه الجريمة الخطيرة وممارستها، ولكن بالرغم من ذلك فغن عملية التنفيذ لهذه المعاهدات لا تزال ضعيفة جانب الدول، بل ان هناك تعذيبا ضد الأشخاص يمارس على مرأى ومسمع الدول العظمى ضد الشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل، وضد الشعب العراقي كما حدث في سجن أبي غريب وغيرها من الأماكن من قبل قوات الاحتلال الأمريكي.


سابعا- الاغتصاب والعنف الجنسي:


يعد الاغتصاب انتهاكا للسلامة الجسدية وشرف الضحية واعتداءا خطيرا يصيب حريتها العامة والجنسية ويعد من أخطر الجرائم في مجتمع دول العالم لما ينجم عنه من اذى جسدي ونفسي مستمرين إضافة إلى أن ضحايا الاغتصاب غالبا ما يعاقبون اجتماعيا عن هذه الجريمة المرتكبة في حقهم وقد برزت خطورة هذه الجريمة بشكل كبير بعد استخدامها في النزاع المسلح ف يوغسلافيا السابقة كوسيلة من وسائل التطهير العرقي [33].


لقد نصت الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على جريمة الاغتصاب، واعتبرت أن فعل الاغتصاب أو الاستبعاد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، او الحمل القسري، أو التعقيم القسر، أو أي شكل من اشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة يشكل جريمة ضد الإنسانية بموجب أحكام هذا النظام الأساسي.


وعرفت الفقرة ( 2/ و) "الحمل القسري" بأنه إكراه المرأة على الحمل فسرا وعلى الولادة غي المشروعة بقصد التأثير على التكوين العرقي لأية مجموعة من السكان
أو ارتكاب انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي، ول يجوز تفسير هذا التعريف على نحو يمس القوانين الوطنية المتعلقة بالحمل ويشترط لحدوث جريمة الاغتصاب الشروط التالية:


1- أن يعتدي المتهم على جسد شخص وذلك بأن يأتي سوكا ينشأ عنه إيلاج عضو جنسي في أي جزء من جسد الضحية او ينشأ عن إيلاج أي جسم أو أي عضو آخر من الجسد في شرج الضحية أو فتحه جهازها التناسلي مهما كان ذلك الإيلاج طفيفا.


2- أن يرتكب الاعتداء بالقوة أو بالتهديد باستخدام القوة أو الإكراه كأن ينشأ عنه خوف الشخص المعين أو شخص آخر من التعرض لأعمال العنف أو إكراه أو اعتقال واضطهاد نفسي أو لإساءة استعمال السلطة، أو باستغلال بيئة قسرية أو عجز الشخص عن التعبير حقيقة عن الرضا.


3- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.


4- أن يعلم المتهم أن التصرف جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين [34] .


لقد شمل نص الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) إلى جانب الاغتصاب جرائم أخير، وهي ما تعرف بجرائم العنف الجنسي وتشمل الآتي:


1- الاستبعاد الجنسي: ومن شروطه التي تقع بها الجريمة ما يلي:


أ- أن يمارس المتهم أيا من السلطات أو جميع السلطات فيما يتصل بحق الملكية على شخص أو أكثر من شخص مثل شراء أو بيع أو إعارة أو مقايضة هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص أو أن يفرض عليهم حرمانا مماثلا في التمتع بالحرية.


ب- أن يتسبب المتهم في قيام الشخص أو الأشخاص بفعل أو أكثر من الأفعال ذات الطابع الجنسي.


ج- أن يرتكب هذا التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.


د- أن يعلم المتهم أن هذا التصرف جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين [35] .


إن هذه الجريمة تعني أن يمارس الجاني سلطته على شخص أو مجموعة من الأشخاص بوصفه مالكا لهم، وهذه الصفة تخوله حق التصرف فيهم بالبيع أو الشراء أو الإعارة أو المقايضة بهؤلاء الأشخاص وقد عني المجتمع الدولي بتحريم تجارة الرقيق الأبيض واستغلال دعارة الغير حيث أبرمت العديد من المعاهدات الدولية من أهمها اتفاقية الأمم المتحدة رقم ( 7/3 ) لعام 1949م وقد اعتبرت هذه الاتفاقية جريمة الاتجار في الأشخاص واستغلال دعارة الغير جريمة دولية أو ذات صفة دولية [36] .


2- جريمة الإكراه على البغاء:


وردت ضمن الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) من نظام المحكمة الجنائية الدولية وتتم بتوفير الشروط الآتية:


أ- أن يرغم المتهم شخصا أو أكثر على ممارسة فعل أو أفعال ذات طابع جنسي باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها أو قسرا من قبيل الأفعال التي تنجم عن الخوف من التعرض للعنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الضغوط النفسية أو إساءة استعمال السلطة أو باستغلال وجود بيئة قسرية أو عجز الشخص أو الأشخاص عن التعبير عن حقيقة رضاهم.


ب- أن يحصل المتهم أو غيره أو أن يتوقع الحصول على أموال أو فوائد أخرى لقاء تلك الأفعال الجنسية أو لسبب مرتبط بها.


ج- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.


د- أن يعلم المتهم أن التصرف جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزء من هذا الهجوم [37] .


3- جريمة الحمل القسري:


وردت ضمن الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) أيضا بوصفها جريمة ضد الإنسانية ويشترط لوقوعها أن يقع الفعل بالشروط الآتية :


أ- أن يحبس مرتكب الفعل امرأة أو أكثر حملت بالقوة بنية التأثير في التكوين العرقي لأية مجموعة من المجموعات السكانية أو ارتكاب انتهاكات جسمية للقانون الدولي.


ب- أن يصدر التصرف في سياق هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين.


ج- أن يعلم المتهم أن هذا التصرف جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزء من ذلك الهجوم [38] .


هذه الجريمة تهدف إلى إحداث تغيير في تركيبة المكان أو تكوينهم العرقي في دولة معينة لمجموعة عرقية من السكان، وهو ما يمثل انتهاكا خطيرا لقواعد القانون الدولي ومن أمثلتها ما حدث من قوات السرب للمسلمات البوسنيات حال حرب البوسنة في الفترة من عام ( 1992م-1995م ) حيث أعدت معسكرات خصيصا لاغتصاب البوسنيات بطريقة منظمة وإجبارهن على الحمل من الجنود الصرب بهدف خلق جيل من المقاتلين الصرب لتغيير البنية العرقية للمسلمين في البوسنة [39] .


4- جريمة التعقيم القسري:


وهي من الجرائم الواردة ضمن الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وقد عرفت أثناء الحرب العالمية الثانية حيث أصدر هتلر عام 1936م تشريعا يجيز التعقيم الوقائي الأشخاص المصابين بأمراض وراثية، ومن أمثلتها ما قامت به ألمانيا النازية بتعقيم بعض الرجال والنساء الذين يعانون من بعض الأمراض، وذلك بغرض خلق جنس موفور الصحة والقوة ونظرا لخطورة هذا النوع من الجرائم تم تصنيفها من الجرائم ضد الإنسانية واعتبرت جريمة بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ولكي تتم هذه الجريمة لابد من توافر الشروط الآتية:


أ- أن لا يكون ذلك السلوك مبررا طبيا أو لا يكون قد أملاه علاج في أحد المستشفيات يتلقاه الشخص المعني أو الأشخاص المعنيين ولم يكن قد صدر بموافقة حقيقة للمتهم.


ب- أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيين.


ج- أن يعلم مرتكب الجريمة أن هذا السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد سكان مدنيين [40] .


5- جريمة العنف الجنسي:


وتعد هذه الجريمة من الجرائم الإنسانية التي تنص عليها في الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية وتتم وفق الشروط الآتية:


أ- أن يرتكب المتهم فعلا جنسيا ضد شخص أو أكثر أو أن يرغم ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص على ممارسة فعل جنسي إما باستعمال القوة أو بالتهديد باستعمالها أو قسرا من قبيل الأفعال التي تنجم عن الخوف من التعرض للعنف والإكراه أو الاحتجاز أو الضغوط النفسية أو إساءة استعمال السلطة أو باستغلال وجود بيئة قسرية أو عجز الشخص أو الأشخاص عن التعبير عن حقيقة رضاهم.


ب- أن يكون التصرف على درجة من الخطورة يمكن مقارنتها بالجرائم الأخرى المنصوص عليها في الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي.


ج- أن يرتكب التصرف كجزء من وهجوم واسع النطاق أو منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين وأن يكون المتهم على علم بذلك [41] .


إن واضعي نظام المحكمة الجنائية قد بذلوا جهدا كبيرا في تصنيف وتحديد الجرائم التي أشارت إليها الفقرة ( 1/ ز) من المادة ( 7 )، وإن دل ذلك على شيء إنما يدل على خطورتها البالغة، وأثرها في المجتمعات وانتشارها في مناطق النزاعات والصراعات المسلحة، لكنه بالرغم من ذلك التصنيف الدقيق إلا أن صعوبة إثبات مثل هذه الجرائم يقف عائقا في الحد منها حتى في القوانين الداخلية للدول هناك صعوبة في إثباتها أمام المحاكم الأمر الذي جعلها مازالت منتشرة في بعض المجتمعات، ولعل العقوبة الرادعة لها هي الحل الأمثل للحد منها كما هو موجود بالشريعة الإسلامية.


ثامنا- جريمة الاضطهاد:


نصت الفقرة ( 1/ ح) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي على أنه يعد جريمة ضد الإنسانية: اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموعة محددة من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو أثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة ( 3 ) أو لأسباب أخرى من المسلم عالميا بأن القانون الدولي لا يجيزها، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة كما عرفت الفقرة ( 2/ ز) "الاضطهاد" بأنه يعني حرمان جماعة من السكان حرمانا متعمدا وشديدا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي، وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع. ومن شروط وقوع هذه الجريمة ما يلي:


1- أن يتسبب مرتكب الجريمة في حرمان شخص أو أكثر حرمانا شديدا من حقوقهم الأساسية بما يخالف القانون الدولي.


2- أن يستهدف المتهم ذلك الشخص أو الأشخاص بسبب انتمائهم لفئة أو جماعة محددة.


3- أن يكون ذلك الاستهداف على أسس سياسية أو عرقية أو وطنية أو أثينية أو ثقافية أو دينية أو تتعلق بنوع الجنس حسب ما عرف في الفقرة ( 3 ) من المادة ( 7 ) من النظام الأساسي أو أية أسس أخرى يعترف بها عالميا بأنها محظورة بموجب القانون الدولي.


4- أن يرتكب التصرف فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في الفقرة الأولى من المادة السابعة من النظام الأساسي أو بأية جريمة تقع ضمن اختصاصا المحكمة.


5- أن يكون ذلك التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان وأن يعلم المتهم بذلك [42] .


إن جريمة الاضطهاد جريمة عنصرية ضد الإنسانية يتعمد فيها الجاني حرمان المجني عليهم من حقوقهم الأساسية التي كفلتها المواثيق والمعاهدات الدولية ومنها حق الإنسان في التنقل وحريته في التعبير عن رأيه وحريته في التقاضي أمام المحاكم وتكليفه فوق طاقته بأعمال شاقة أو التمايز بين البشر على أساس العرق أو الطوائف ولعل ما تقوم به روسيا في الشيشان يمثل صورة واضحة لهذه الجريمة وكذلك أعمال الاضطهاد التي مارسها الصربيون في البوسنة والهرسك تمثل صورة لهذه الجريمة وما يجري للشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل من حرمان لحقوقهم الأساسية من حصار ومنع الغذاء والكساء لهو خير مثال لهذه الجريمة أيضا، فبالرغم من دور هذه الجريمة بالنظام الأساسي للمحكمة وتجريمها إلا أن الدول الكبرى تحول دون الحد من ارتكابها بالحماية التي تكلفها للدول التي ترتكب هذه الجرائم وخير مثال الولايات المتحدة وما توفره من حماية لإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.


تاسعا- جريمة الاختفاء القسري للأشخاص:


وهي من الجرائم ضد الإنسانية التي نص عليها ضمن الفقرة ( 1/ ط) من المادة ( 7 ) من نظام المحكمة الجنائية الدولية حيث نص على أنه تعد جريمة ضد الإنساني:


ط- "الاختفاء القسري للأشخاص" وقد عرفته الفقرة ( 2/ ط) بأنه يعني إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو سكوتها عليه. ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة ومن شروط هذه الجريمة التي وردت بالملحق بالفقرة المذكورة ما يلي:


1- أن يقوم مرتكب الجريمة بإلقاء القبض على شخص أو أكثر باحتجازه أو اختطافه.


2- أن يرفض الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم.


3- أن يرتكب التصرف باسم دولة أو منظمة سياسية أو بإذن أو دعم منها لهذا التصرف أو إقرار به.


4- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي وأن يعلم المتهم بذلك الهجوم أو ينوي القيام به. والملاحظ أن هذه الجريمة من الجرائم التي ترتكبها الدول نفسها أو إحدى المنظمات السياسية دعما للدولة بل قد يرتكبها الأفراد دعما للدولة أو المنظمة وقد قد يقتصر دعم الدولة على العلم بالجريمة والسكوت عليها وغالبا ما ترتكب ضد المعارضين السياسيين أو الزعامات الدينية التي يلتف حولها الرأي العام وتثير قلق القادة السياسيين بالدولة فيتم التخلص منهم حتى يتناساهم الرأي العام والمواطنون بهذه الدول ومن أمثلة هذه الجريمة ما يقع في فلسطين من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948م وحتى اليوم [43] .


وهذه الجريمة تعد من الجرائم المنتشرة في كثير من بلدان العالم، وخاصة الأنظمة الشمولية والعسكرية التي لا تعترف بالنظام الديمقراطي وحرية التعبير والرأي العام.


عاشرا- جريمة الفصل العنصري:


تعد جريمة الفصل العنصري إحدى الجرائم ضد الإنسانية الموجهة ضد حقوق الإنسان وقد جاء تقنين هذه الجريمة تدعيما للجهود المبذولة في مجال حقوق الإنسان والعمل على تأثيم انتهاكات هذه الحقوق، حيث كان القانون الدولي التقليدي يعد موضوع حقوق الإنسان من المسائل الداخلية التي لا يجوز إثارتها على المستوى الدولي ولم يكن هذا الموقف طبيعيا ذلك لأن الإنسان هو غاية كل تنظيم دولي فانصبت اهتمامات تطور القانون الدولي لتشمل الفرد بالرعاية أو الحماية باعتباره من أهم موضوعاته وقد جاءت العديد من المعاهدات والاتفاقات الدولية لحماية الأقليات الدينية من العنصرية وكان الهدف من تلك المعاهدات الالتزام بتطبيق العدالة والمساواة في معاملة هذه الأقليات [44] .


لم يكن التمييز العنصري وليد العصور الحديثة وإنما هو قديم، والتمييز لا يزال موجودا وهو يتمثل في التمييز الطبقي في المجتمعات الطبقية السابقة والحالية، ولكنه برز بشكل واضح إزاء الأقليات حيث أخذ مظاهر مختلفة عبر الفترات الزمنية المتعاقبة بداية من الرق بشكل عام كما اتخذ شكل اضطهاد الأقليات في الفترات التاريخية القريبة أو البعيدة أو إبادتها حتى وصل إلى نشأة الأنظمة العنصرية التي تقو على التمييز أو الفصل العنصري معا المتمثلة في النازية الألمانية والعنصريات الأوروبية البيضاء في جنوب إفريقيا، وروديسيا، وناميبيا وفي فلسطين المحتلة التي مازالت تعني منه حتى اليوم. وقد ظهر التمييز العنصري كمفهوم سياسي في الثلاثينيات من القرن الماضي ويراد منه إظهار نقاء وتفوق العرق الجرماني على بقية الأعراق، كما فعل النازيون من التمييز بين الأجناس المقيمين على أرض الدولة الألمانية ثم تحول بعد ذلك إلى جنوب إفريقيا عام 1945م . وقد ظهر أول تجريم للعنصرية في النظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية "نورمبرج" 1945م في المادة السادسة التي طبقتها المحاكم الدولية الخاصة أثناء محاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية، ثم جاء ميثاق الأمم المتحدة ليؤكد كرامة الإنسان والمساواة بين الشعوب حيث جاء في ديباجة الميثاق أن شعوب الأمم المتحدة تؤكد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، كما نصت المادة الأولى من الفقرة الثانية على أن من مقاصد الأمم المتحدة تعزيزا احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية بين الرجال والنساء، كما تعهد أعضاء الأمم المتحدة بموجب المادتين ( 55-56 ) من الميثاق باتخاذ الإجراءات المشتركة أو المنفردة بالتعاون مع المنظمة للدعوة إلى الاحترام العالمي ومراعاة الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية للمجتمع دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ثم توالت أعمال الأمم المتحدة بعد ذلك وتوجت بعدة اتفاقات دولية لحقوق الإنسان، ومن أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/2/1948م الذي تضمن قائمة بالحقوق السياسية والمدنية للإنسان حيث نصت المادة الأولى على الآتي:


" يولد جميع الناس أحرار ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء" كما ذكرت المادة الثانية : أن " لكل إنسان حق التمتع بكافة الحجريات والحقوق الواردة في هذا الإعلان دون تمييز كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثرة أو أي وضع آخر دون أي تفرقة بين الرجال والنساء". كما حددت الوثيقة الحقوق المدنية والسياسية والمعترف بها في المواد ( 3-21 )" وتتضمن هذه الحقوق حق كل إنسان في الحياة والحرية وسلامة شخصه وحقه ألا يخضع للعبودية أو الاسترقاق وحقه في ألا يعرض للتعذيب أو العقوبة القاسية المهنية المنافية للكرامة الإنسانية وحق كل إنسان في أن يعترف بشخصية أمام القانون، وحق جميع الناس في المساواة أمام القانون، وحق كل إنسان في اللجوء إلى القضاء للدفاع عن حقوقه وحقه في ألا يقبض عليه أو يحبس أو ينفى بدون مخالفة منصوص عليها قانونا وحق كل إنسان في محاكمة عدالة أمام محكمة مستقلة نزيهة وحق كل متهم في أن يعد بريئا حتى تثبت إدانته، وحق كل إنسان في ألا يكون عرضة للتدخل في شؤون أسرته أو مسكنه، وحق كل إنسان في حرية السفر وحقه في اللجوء إلى البلاد الأخرى وحقه في أن تكون له جنسية وحقه في الزواج وتكوين أسرته، وحقه في حرية الفكر والضمير والدين وحقه في حرية الرأي والتعبير". إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول وثيقة عالمية تعترف بالقيمة الإنسانية للنوع البشري في نطاق التقدم الحضاري وقد أصبحت مصدرا لدساتير وتشريعات الكثير من الدول في إنحاء العالم بل دخلت بعضها في طلب مواثيق بعض المنظمات الدولية والإقليمية المختصة وباتت نصوصها تشكل الخطوط العريضة التي يجري العمل على أساسها في إرساء دعائم حقوق الإنسان بين الشعوب [45] .


إن مبدأ الاعتراف بقيمة الفرد في النظم القانونية لم يعد محصورا فقط في نطاق الشؤون الداخلية، وإنما أصبح مبدأ عالميا يدخل في نطاق القيم الأساسية التي يحميها المجتمع الدولي باعتباره وسيلة للتقدم الحضاري والإنساني، ومن هنا جاءت جريمة الفصل العنصري لتكوين مؤشرا للاتجاه العالمي نحو تأثيم وتجريم انتهاكات حقوق الإنسان على المستوى الدولي وظهر اهتمام المجتمع الدولي بهذه الجريمة من خلال الاتفاقات والإعلانات الدولية التي صدرت لمحاربة هذه الجريمة [46] .


ومن حيث الطبيعة القانونية لهذه الجريمة فإنها تعد من الجرائم الدولية الموجهة ضد الإنسانية ومثل هذه الجريمة ينتج عنها مسؤولية مزدوجة المسؤولية الأولى تقع تبعتها على الدولة التي تقع الجريمة على إقليمها أو في نطاق ولايتها بسبب تقاعسها عن القيام بالالتزامات المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات أو وقوع الجريمة نتيجة لسياسيتها أو بإيعاز منها، والمسؤولية الثانية تقع تبعاتها على الأفراد الطبيعيين الذين يقدمون على ارتكاب أحد الأفعال التي تكون هذه الجريمة، أو يشاركون في ارتكابها بالتحريض أو التواطؤ أو التشجيع من الدولة، وقد نصت المادة الثالثة من الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري على المسؤولية الدولية التي تقع على الأفراد وأعضاء المنظمات وممثلي الدولة، كما نصت المادة ( 25 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على المسؤولية الجنائية الدولية التي تقع على الأفراد الطبيعيين دون سواهم وهذا ما يؤكد المسؤولية المشتركة في هذه الجريمة بين الأفراد والدول التي تقع في أراضيها [47] .


لقد نصت الفقرة ( 1/ ي) من المادة ( 7 ) من النظم الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على جريمة الفصل العنصري باعتبارها إحدى الجرائم ضد الإنسانية وجاء نصها كما يلي:


1- لغرض هذا النظام الأساسي يشكل أي فعل من الأفعال التالية جريمة ضد الإنسانية متى ما ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم.


ي- جريمة الفصل العنصري.


كما عرفت الفقرة ( 2/ ح) من المادة ( 7 ) جريمة الفصل العنصري كما يلي:


تعني "جريمة الفصل العنصري" أية أفعال لا إنسانية تماثل في طابعها الأفعال المشار إليها في الفقرة ( 1 ) وترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام.


ولكي تتم هذه الجريمة لابد من توافر الشروط الآتية:


1- أن يرتكب المتهم فعلا لا إنسانيا ضد شخص أو أكثر.


2- أن يكون ذلك الفعل من الأفعال المشار إليها في الفقرة (1) من المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة.


3- أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت طبيعة ذلك الفعل.


4- أن يرتكب التصرف في إطار نظام مؤسس قائم على القمع والسيطرة بصورة منهجية من جانب جماعة عرقية ضد جماعة أو جماعات عرقية أخرى.


5- أن ينوي المتهم من خلال سلوكه الإبقاء علة ذلك النظام.


6- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.


7- وأن يعلم المتهم أن التصرف جزء من هجوم واسع النطاق او منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين، أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من ذلك الهجوم [48] .


كما أن جريمة الفصل العنصري المشار إليها تقوم على فعل ينطوي على الاضطهاد أو سوء المعاملة أو أي فعل غير إنساني آخر لفرد أو لمجموعة من الأفراد على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو اللغة أو الرأي السياسي وغيرها، وذلك بغرض الاضطهاد أو الهيمنة على هذا الفرد أو هذه المجموعة، والعنصرية بالمفهوم السابق تنطوي على إخلال بروح الإخاء والمساواة بين بني البشر وتتعارض مع مبادئ القيم الإنسانية ولذلك، فإنها تدخل ضمن الأفعال التي تقع ضد الإنسانية وتعتبر جريمة الفصل العنصري جريمة عمدية تقوم على القصد الجنائي بعنصرية العلم والإرادة فالجاني يجب أن يعلم أن ما يأتيه من أفعال ينطوي على تفرقة تستند إلى انتماء المجني عليه إلى جني أو لون معين وأن تنصرف إرادته إلى ذلك الفعل [49] .


ومن صور جريمة الفصل العنصري وأمثلتها ما كانت تمارسه ألمانيا النازية من تميز عنصري ضد شعوب الدول الأخرى وكذلك ما كان يمارس من تفرقة عنصرية في جنوب إفريقيا قبل انهيار نظلم الفصل العنصري وعودة الحكم إلى الأغلبية السوداء في دولة جنوب إفريقيا [50] .









إحدى عشر- الأفعال اللا إنسانية المسببة للأذى البدني أو العقلي الجسيم:


نصت المادة السابعة من نظام المحكمة الجنائية الدولية الفقرة ( 1/ ك) على أنه يعد جريمة ضد الإنسانية الأفعال اللا إنسانية الأخرى ذات طابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية وقد نص على شروط وقوع ه الجريمة في ملحق الفقرة ( 1/ ك) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية كما يلي:


1- أن يلحق المتهم بارتكابه فعلا لا إنسانيا معاناة شديدة أو ضررا بالغا بالجسم او بالصحة العقلية أو البدنية للمجني عليه.


2- أن يكون ذلك الفعل ذا طابع مماثل لأي فعل آخر مشار إليه في الفقرة ( 1 من المادة 7 ) من النظام الأساسي.


3- أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعة التي تثبت طبيعة الفعل.


4- أن يرتكب التصرف كجزء من هجوم واسع أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.


5- أن يعلم المتهم بأن هذا التصرف جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد مجموعة من السكان المدنيين أو أن ينوي أن يكون هذا التصرف جزءا من ذلك الهجوم [51] .


واضح من صياغة هذه الجريمة أن النص عليها ورد عاما ومطلقا بحيث يستوي أي فعل في طبيعة الجرائم ضد الإنسانية وخطورة هذه الجرائم ولذلك أشار إلى أي فعل يلحق المعاناة الشديدة أو الأذى الخطير بالجسم أو الصحة العقلية أو البدنية، وهذه الأفعال قد تكون أفعالا مادية كالتعذيب والحجز والاعتقال وتقييد الحرية بأي وضع من الأوضاع. كما يلحق بها الأفعال المعنوية التي قد تسبب ذات الأذى البدني أو العقلي للمجني عليه كتعمد اضطهاد أو حرمانه من الحقوق الأساسية كحق المأكل والمشرب والتعليم والملكية والعمل وغيرها من الحقوق الأساسية التي بدونها يعد المجني عليه في موقف الشخص المضطهد الذي يشعر بالأذى والمعاناة ولذلك يستوي في هذه الجريمة التي تتوافر بأي فعل لا إنساني من الجناة ضد المجني عليهم، أن تسبب المعاناة الشديدة أو الأذى الخطير بالجسم كبتر الأطراف أو اعتلال الصحة البدنية، ذلك عن طريق الإصابة بالأمراض الخطيرة التي تؤدي بحياة الإنسان مثل الحجز والاعتقال والتعذيب لمدو طويلة لا يرى فيها المجني عليه ضوء الشمس ويعاني من استنشاق الرطوبة الأمر الذي قد يصيبه بالجنون [52] .

والملاحظ أن هذه الجريمة نصها عام ترك تقييم مدى جسامة الفعل فيها لتقدير القضاء الدولي الجنائي، وهي من الجرائم التي يمكن أن تستغل من جانب الدول الكبرى كذريعة للتدخل في شؤون الدول الصغرى التي تخالفها في سياستها الاقتصادية، أو السياسية، او التي لا تدور في فلكها، وتتم الإدانة بواسطة مجلس الأمن الذي تهيمن عليه الدول العظمى، وتستخدم فيه حق النقص متى ما رأت أن القرارات الصادرة منه لا تخدم مصلحتها.








[1] - (م2/ج) من النظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية (نورمبرج).


[2] - الفار، عبد الواحد محمد: الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها (در النهضة العربية، القاهرة، مصر د.ط، 1996م)، ص 279.


[3] - بكة، سوسن تمر خان: الجرائم ضد الإنسانية في ضوء أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت لبنان، ط1،2006م)،ص49.


[4] - (م /6/ ج) من النظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية.


[5] - حومد، عبد الوهاب: الإجرام الدولي،(مطبوعات جامعة الكويت- الكويت، ط1- 1976م)، ص213.


[6] - أنظر: بسيوني، محمد شريف: المحكمة الجنائية الدولية، (مطابع روز اليوسف الجديدة، القاهرة، مصر، د.ط، 2002م)، ص34.


[7] - السيد، مرشد أحمد .. الهرمزي، أحمد غازي: القضاء الدولي الجنائي، (الدار العلمية للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 2002م)، ص 122.


[8] - أنظر: الشلالدة، محمد فهاد: القانون الدولي الإنساني، (منشأة دار المعارف، الإسكندرية، مصر، د.ط، 2005م)، ص 370.


[9] - بسيوني، محمد شريف: مدخل لدراسة القانون الإنساني الدولي، (جامعة القاهرة، القاهرة، مصر، د.ط، 2003م)، ص84.


[10] - أنظر: عبد لله، احمد عبد الله: دار فور الجوانب القانونية في قرار مجلس الأمن رقم (1003)، (المحكمة الدستورية، الخرطوم، السودان، د.ط، 2005م)، ص2.


[11] - القهوجي، علي عبد القادر: القانون الدولي الجنائي (منشورات حلبي، بيروت، لبنان، د.ط، 2001م)، ص 118.


[12] - بكة، سوسن متر خان: الجرائم ضد الإنسانية، ص 198.


[13] - المرجع السابق، ص 225.


[14] - القهوجي، علي عبد القادر: القانون الدولي، ص 125.


[15] - المرجع السابق.


[16] - أنظر: لطفي، محمد: آليات الملاحقة في نطاق القانون الدولي الإنساني،(دار الفكر والقانون، المنصورة، مصر، د.ط، 2006م)، ص 140.


[17] - أبو الهيف، علي صادق: القانون الدولي العام، (منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، د.ط، 1986م)، ص 21.


[18] - حجازي، عبد الفتاح بيومي: المحكمة الجنائية الدولية (دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، مصر، د.ط، د.ت)، ص 489.


[19] - بسيوني، محمود شريف: المحكمة الجنائية الدولية، (دار الشروق، القاهرة، مصر، ط.1، 2003م)، ص212.


[20] - الطراونه، محمد: المحكمة الجنائية الدولية، (مركز عمان لدراسة حقوق الإنسان، عمان، الأردن، ط.1، 2005م)، ص 29.


[21] - حجازي، عبد الفتاح بيومي: المحكمة الجنائية الدولية ، ص 482.



[22] - أبو الخير، السيد مصطفى: النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، (ايتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط.1، 2005م)، ص 219.


[23] - بسيوني، محمود شريف: وثائق المحكمة الجنائية الدولية (دار الشروق، القاهرة، مصر، ط.1، 2005م)، ص12.


[24] - (م/ج/2/7) من نظام المحكمة الجنائية الدولية.


[25] - حجازي، عبد الفتاح بيومي: المحكمة الجنائية الدولية، ص 531.


[26] - بكة، سوسن تمر خان: الجرائم ضد الإنسانية، ص 423.


[27] - بسيوني، محمود شريف: وثائق المحكمة الجنائية الدولية، ص17.


[28] - حجازي، عبد الفتاح بيومي: المحكمة الجنائية الدولية، ص 559.



[29] - محمود، ضاري خليل..يوسف، باسل: المحكمة الجنائية الدولية، هيمنة القانون أم قانون الهيمنة، (بيت المحكمة، بغداد، العراق، ط.1، 2003م)، ص 219.


[30] - حجازي، عبد الفتاح بيومي: المحكمة الجنائية الدولية، ص 582.


[31] - (م/1/5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، 1948م.



[32] - اتفاقية مناهظة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهنية 1987م.


[33] - بكة، سوسن تمر خان: الجرائم ضد الإنسانية، ص 371.





[34] - حجازي، عبد الفتاح بيومي: المحكمة الجنائية الدولية، ص 584.



[35] - المرجع السابق، ص 591.


[36] - اتفاقية الأمم المتحدة رقم (7/3) الخاصة بمنع الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير 1949م.


[37] - حجازي، عبد الفتاح بيومي: المحكمة الجنائية الدولية، ص 595.



[38] - المرجع السابق، ص 599.


[39] - أحمد، محمد عبد القادر : مأساة البوسنة والهرسك (مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، د.ط، د.ت)، ص 57.


[40] - القهوجي، علي عبد القادر : القانون الدولي الجنائي، ص 120.


[41] - حجازي، عبد الفتاح بيومي: المحكمة الجنائية الدولية، ص 680.



[42] - محمود، ضاري خليل..يوسف، باسل: المحكمة الجنائية الدولية، هيمنة القانون أم قانون الهيمنة، ص 223.


[43] - حسن، سعيد عبد اللطيف: المحكمة الجنائية الدولية، ص 243.


[44] - معاهدات باريس للسلام 1914/1910و إعلان مؤتمر فينا 1810م، معاهدات لندن 1814م، معاهدات واشنطن 1826م.


[45] - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م.


[46] - الاتفاقات الدولية التي تتعلق بمنع التمييز العنصري:


أ- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م.


ب- إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1904م.


ج- الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها 1976م.


[47] - بسيوني، محمد شريف: المحكمة الجنائية الدولية، ص 297.


[48] - أبو الخير، السيد مصطفى: النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ص 321.



[49] - القهوجي، علي عبد القادر: القانون الدولي الجنائي، ص 148.


[50] - حجازي، عبد الفتاح بيومي: المحكمة الجنائية الدولية، ص 633.



[51] - بكة، سوسن تمر خان: الجرائم ضد الإنسانية، ص 523.


[52] - حجازي، عبد الفتاح بيومي: المحكمة الجنائية الدولية، ص 649.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جرائم الإيذاء العمدي

النظريات المفسرة للسلوك الاجرامي

علاقة علم العقاب بباقي فروع العلوم الجنائية الأخرى