الحراسة النظرية في حالة التلبس


الحــــراسة النظريـــة في حالــــة التلبــــس  


      لم يعرف المشرع المغربي الموضع تحت الحراسة، و المقصود به أنه إجراء يحق بمقتضاه لضابط الشرطة القضائية أن يحتفظ بشخص أو عدة أشخاص، ويضعه في مكان معين ( مركز الشرطة القضائية ) و ذلك لضرورة البحث.
إن الوضع تحت الحراسة يشكل بهذا المعنى قبضا على الشخص لمنعه من الفرار و أخد تصريحاته و التثبت من صلته بالجريمة، و نظرا لكون هذا الإجراء يعد قيدا على حرية الأفراد فقد نظمه المشرع وبين شروطه ومدته، وأحاطه بجملة من المقتضيات التي تعد في ذاتها ضمانات في مواجهة الشطط أو التعسف المحتمل في مجال تقييد حرية الأفراد ،وتعرض على التوالي للأشخاص الذين يجوز وضعهم تحت الحراسة ثم شروط الوضع تحت الحراسة ،وأخيرا الآثار المترتبة عن الإخلال بشروط الوضع تحت الحراسة.
1 - الأشخاص الممكن وضعهم تحث الحراسة النظرية  :
     يجوز لضابط الشرطة القضائية بوجه عام أن يحتفظ خلال إجراءات البحث بأي شخص مشتبه فيه، وكل من اجتمعت ضده قرائن كافية لإدانته، و تشير المادة 65 من قانون المسطرة الجنائية إلى صنفين من الأشخاص الذين يمكن وضعهم تحت الحراسة النظرية فهناك من جهة الأشخاص الدين يمنعهم ضباط الشرطة القضائية من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة، و هناك الأشخاص الذين يظهر من اللازم التعرف على هويتهم أو التحقق منها.
وبوجه عام، يجوز لضابط الشرطة القضائية إذا تطلبت ذلك ضرورة البحث، أن يحتفظ بأي شخص يفيد في إظهار الحقيقة.
ومن الوجهة العملية، غالبا ما يعتبر ضباط الشرطة القضائية هذا الإجراء ضروري، لكونه يسهل الاستماع إلى الأشخاص، لاسيما إذا كان هذا الاستماع يحتاج إلى وقت يفوق عدة ساعات.
ونظرا لكون الوضع تحت الحراسة،قد يفضي إلى الحصول على أدلة في ظروف تنعدم فيها ضمانات الدفاع المخولة للمتهم، خلال استنطاقه من طرف قاضي التحقيق، فإن المشرع تدخل و أقر العديد من الشروط التي من شأنها إضفاء المصداقية على هذا الإجراء.
2 - شروط الوضع تحت الحراسة  :
      نص الفصل 80 من قانون المسطرة الجنائية على ما   يلي   "إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس و كانت ضرورة البحث التمهيدي تقتضي من ضابط الشرطة القضائية إبقاء الشخص رهن إشارته، فله أن يضعه رهن الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز 48 ساعة بإذن النيابة العامة، و يتعين لزوما تقديمه إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك قبل انتهاء هذه المدة ".
ونستنتج من هذا الفصل أن المشرع نص على شروط و أكد على ضرورة توفرها في إجراء الوضع تحت الحراسة و التي تتمثل في الأتي  :
v    الشرط الأول   : يجب أن يتعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقبة بالحبس 
     نص المشرع على هذا الشرط صراحة فوما بعدها 0 من ق.م.ج بقوله تسري مقتضيات المادة 57 وما بعدها إلى المادة 69 على قضايا التلبس بالجنح في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقوبة الحبس.  
بحيث أن الوضع تحت الحراسة غير جائز في المخالفات و ذلك راجع من جهة أولى لضآلة خطورتها عادة، و من جهة أخرى فإنها كثيرا ما تكون معاقبة بغرامة فقط.
وحتى إذا كانت معاقبة الاعتقال، فإن المحاكم قلما تطبقه على المخالف و خاصة المبتدئ اعتبارا لتفاهة الجرم، كما أن الوضع تحت الحراسة غير متأت في الجنح الغير المعاقبة بالحبس،و هذا منطقي إذ لا يعقل السماح باعتقال شخص قبل الحكم عليه،في حين أن الحكم الذي يتهدده في أسوأ الفرضيات ( إذا تبثث مسؤوليته ) لا يصح أن يكون سالبا للحرية.
v    الشرط الثاني   :   يجب أن يكون الوضع تحت الحراسة مما تتطلبه حاجيات البحث
      لقد عبر المشرع صراحة عن هذا الشرط في المادة 66 و المادة 80 من ق.م.ج بقوله " إذا تطلبت ضرورة البحث أن يحتفظ ضابط الشرطة القضائية بشخص أو عدة أشخاص فله أن يضعهم تحت الحراسة النظرية ... ".
و من خلال هذا الفصل يتبين أن تقدير تلك الضرورة يبث فيه عمليا ضابط الشرطة القضائية نفسه، و قد يكون المراد من الوضع تحت الحراسة حث الشاهد أو المشبوه فيه على الإدلاء بتصريحاته، أو التأكد من حجة ما صرح به فعلا،أو التعرف على هويته بالرجوع إلى أرشيفات الشرطة القضائية، أو مواجهته مع الشهود، أو مع مشبوهين آخرين، أو الحيلولة دون إقدامه على الفرار خاصة إذا لم يكن له محل مخابرة معلوم.
v    الشرط الثالث   : ضرورة التزام مدة الوضع تحت الحراسة
      تختلف مدة الحراسة تبعا لنوع الجريمة موضوع البحث إلى ثلاث فئات  :
- عامة الجرائم باستثناء الجرائم الإرهابية و جرائم أمن الدولة، و تكون مدة الحراسة بشأنها 48 ساعة تقبل التمديد مرة واحدة لمدة 24 ساعة، أي لمدة إجمالية قدرها 72 ساعة ( 48 س+ 24 س).
- جريمة المس بأمن الدولة الداخلي و الخارجي، ( و هي الجرائم المشار إليها في الفصول 163 إلى 213 من مجموعة القانون الجنائي)، ومدة الحراسة النظرية المقررة لها هي 96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة مماثلة، أي لمدة قصوى قدرها 192 ساعة ( 96 س + 96    س ).
- الجريمة الإرهابية  :   ( وهي الجرائم المشار إليها في الفصول من 1218 إلى 9- 218 المضافة إلى القانون الجنائي بمقتضى قانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب 28 ماي 2003 . و قد حدده مدة الحراسة النظرية بشأنها في مدة 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين مدة 96 ساعة في كل مرة، أي لمدة إجمالية لا تتجاوز 288 ساعة.
      يتعين على ضابط الشرطة القضائية حين يضع شخصا تحت الحراسة النظرية أن يشعر النيابة العامة(الفقرة الأولى من المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية) و أن يوجه إياها لائحة اسمية بالأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الأربع وعشرين ساعة السابقة.
v    الشرط الرابع   :   تمديد الحراسة النظرية                                                  
     تكون مدة الحراسة النظرية الأصلية قابلة للتمديد كما رأينا بمقتضى إذن كتابي من النيابة العامة،كما اقتضت ذلك ضرورة البحث،و هذا يعني أن النيابة   العامة التي تملك السلطة التقديرية المطلقة لتقييم ضرورة و متطلبات البحث و حاجته إلى تمديد مدة الحراسة النظرية،و لا يملك الشخص تحت الحراسة النظرية أي وسيلة للتظلم من قرار النيابة العامة بتمديد مدة الحراسة النظرية في حقه،كما لا يملك ضابط الشرطة القضائية أي وسيلة للتظلم من رفض النيابة العامة تمديد الحراسة النظرية.
وهذا أمر منطقي لأن الضابط لا يمكنه أن يتظلم من، فإنر تتخذه الجهة المسؤولية أساسا عن تسيير البحث،لأنه يعمل تحت إمرتها و ينفذ تعليماتها ليس إلا.
 ومن جهة أخرى فإنه مادام الأمر يتعلق بحالة تلبس،فإن القانون لم يجعل تقديم الشخص المعني بالأمر أمام النيابة العامة واجبا من أجل تمديد مدة الحراسة النظرية بالنسبة إلا.
v الشرط الخامس   :  احترام بعض الشكليات الخاصة بالوضع تحت الحراسة و توفير بعض الضمانات القضائية .
هناك جملة من الإجراءات الشكلية التي أقرها القانون لتعزيز الضمانات المخولة للأفراد في مواجهة التعسف المحتمل في إجراء الوضع تحت الحراسة.
و يمكن إجمال هذه الإجراءات و الضمانات في الأمور التالية  :
      أ- الاتصال بالمحامي  :   يمكن للشخص الموضوع تحت الحراسة في حالة تمديدها أن يطلب من ضابط الشرطة القضائية الاتصال بالمحامي. كما يحق للمحامي   المنتصب الإتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة.و يتم الاتصال بترخيص من النيابة العامة ابتداء من الساعة الأولى من فترة تمديد الحراسة، لمدة لا تتجاوز ثلاثون دقيقة، تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية في ظروف تكفل سرية المقابلة.
     غير أنه إذا تعذر الحصول على ترخيص النيابة العامة،خاصة بسبب بعد المسافة فإن ضابط الشرطة القضائية يأذن بصفة استثنائية للمحامي بالاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة،على أن يرفع فورا تقريرا في هذا الشأن إلى النيابة العامة.
     و يمكن لممثل النيابة العامة تأخير اتصال المحامي بموكله لمدة لا تتجاوز 48 ساعة،بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية أو بجرائم المس بأمن الدولة،أو العصابات الإجرامية أو القتل أو التسميم أو الاختطاف و أخذ الرهائن،أو تزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام أو المخدرات أو الأسلحة أو الذخيرة أو المتفجرات أو حماية الصحة.
   و يجوز للمحامي المرخص له بالاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية،أن يقدم أثناء مدة تمديد هذه الحراسة وثائق أو ملاحظات كتابية للشرطة القضائية أو للنيابة العامة،قصد إضافتها للمحضر مقابل إشهاد،و يعود الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط صلاحية الإذن للمحامي بالاتصال بموكله،كلنا تعلق الأمر بجرائم الإرهاب،على اعتبار أن محكمة الاستئناف بالرباط هي المختصة بالمتابعة و التحقيق و الحكم في الجرائم الإرهابية.
    ب- إشعار عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية  :   يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يشعر عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية ،فور و ضعه تحت الحراسة،و يتم الإشعار بأي   وسيلة من الوسائل سواء بالهاتف أو مشافهة أو كتابة أو بواسطة عون للقوة العمومية،و ينبغي أن يشير المحضر إلى ذلك.
  ولم يحدد النص الجزاء المترتب عن عدم احترام ضابط الشرطة القضائية لهذا الإجراء،غير أنه أجمع ، لائحة   و القضاء على أنه إجراء إداري فقط ،وبالتالي لا يترتب عن عدم إنجازه من طرف الضابط، بطلان إجراءات المسطرة المصاحبة للوضع تحت الحراسة النظرية أو المترتبة عنه،ولكن يمكن أن تترتب عنه المسؤولية التأديبية للضابط ،و قد أصدر المجلس الأعلى عدة قرارات في حق الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية،لا يؤثر على سلامة المسطرة مادام القانون لم يرتب البطلان على ذلك صراحة.
    ج- إخبار النيابة العامة   :   يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يوجه يوميا إلى النيابة العامة،لائحة بالأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الأربع وعشرين ساعة السابقة.
3- جزاء الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية  :
       إن قانون المسطرة الجنائية لم يحدد بنص صريح وارد ضمن أحكام الوضع تحت الحراسة النظرية الأثر المترتب عن الإخلال بتلك الأحكام،و يبدو هذا الموقف غريبا خاصة إذا اعتبرنا أن المشرع في معرض تفصيل أحكام تفتيش المنازل أثناء البحث التمهيدي في حالة التلبس،قد قضى ببطلان الإجراء المذكور عند الإخلال بأحكامه(الفصل 63 من قانون المسطرة الجنائية).
فهل قدر المشرع خطورة التفتيش كإجراء قصري يبدو واقعا بالدرجة الأولى على الأشياء و أغفل خطورة الوضع تحت الحراسة النظرية و هو إجراء يمس بدون لبس و بالأساس حرية الفرد و يقع على شخصية مباشرة ،و الواقع أن هذا الصمت العضوي أو المقصود من طرف المسطرة الجنائية إزاء مسألة لها أهمية بالغة يفتح الباب على مصراعيه لتضارب الآراء بشأن الأثر القانوني المترتب عن الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة.
وقد نتج عن سكوت المشرع هذا انتقادات فقهية و تدبدب في موقف القضاء، في ظل قانون المسطرة الجنائية القديم الملغى و هو الانتقاد و التدبدب الذي سيستمر مادام أن المشرع قد احتفظ بنفس المقتضيات.
     أما بالنسبة لموقف الاجتهاد القضائي فقد جاء قرار المجلس الأعلى " ومن جهة أخرى فإن القواعد المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية لم يجعلها القانون تحت طائلة البطلان و عليه فلا يمكن أن يترتب عنها البطلان إلا إذا ثبت أن عدم مراعاتها جعل البحث عن الحقيقة و إثباتها مشوبين بعيوب في الجوهر".
كما جاء في قرار آخر بأنه " لما لاحظت المحكمة أن مدة الحراسة النظرية النظرية،استغرقت أكثر من 96 ساعة المحددة قانونا و رتبت على ذلك استبعاد محضر الضابطة القضائية ثم عادت و أدانت المتهم،بناء على اعترافه الوارد في المحضر المذكور فإنه تكون قد بنت قضاءها على علل متناقضة مما يجعل حكمها ناقص التعليل و يوازي انعدامه".
     وإذا كان المشرع لم يرتب جزاء البطلان على خرق شكليات و قواعد الحراسة النظرية ،فإن مقتضيات المادة 751من ق.م.ن. تبقى قابلة للتطبيق على خرق تلك الإجراءات .و تنص هذه المادة على أن كل إجراء يأمر به قانون المسطرة الجنائية و لم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز،و يؤدي ذلك إلى اعتبار كل إجراء أنجز خرقا للقواعد المنظمة لمسطرة الحراسة النظرية عديم الأثر و كأنه لم يكن.
حضور وكيل الملك أو قاضي التحقيق إلى مكان الواقعة 
      إذا وصل وكيل الملك إلى مكان الواقعة فإن ذلك يرفع يد ضابط الشرطة القضائية عنها، و يقوم وكيل الملك حينئذ بجميع أعمال الشرطة القضائية من ضبط و تفتيش، و له أن يأمر أيا من ضباط الشرطة القضائية لمتابعة الإجراءات ( الفصل 71 من ق.م.ج ) أما إذا حضر قاضي التحقيق إلى مكان الواقعة فإن وكيل الملك و ضابط الشرطة القضائية يتخلون له عن النازلة بموجب القانون، ويقوم آنذاك قاضي التحقيق بكل أعمال ضباط الشرطة القضائية،وله أن يأمر أيا من ضباط الشرطة القضائية بمتابعة الإجراءات، و بمجرد انتهاء تلك العمليات يرسل قاضي التحقيق إلى وكيل الملك جميع وثائق التحقيق ليقرر فيها ما يقتضيه اللازم (الفصل 75 من ق.م.ج ).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جرائم الإيذاء العمدي

النظريات المفسرة للسلوك الاجرامي

علاقة علم العقاب بباقي فروع العلوم الجنائية الأخرى