عقوبة الإعدام بالمغرب بين الإلغاء التدريجي والإلغاء الكلي

"الغوا عقوبة الإعدام فإن حياة الإنسان لا سلطان لإنسان عليها"  باكاريا
تقديم
انضم المغرب إلى الأمم المتحدة منذ فجر الاستقلال (1956)، وتبنى منذ ذلك التاريخ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في مادته الثالثة على أنه:"لكل فرد الحق في الحياة".
وأكد دستور سنة 1992 على تشبث الدولة المغربية بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالمياً، إذ جاء في ديباجته:" إدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا".
ومنذ ذلك الحين صادق المغرب على مجموعة من المواثيق الدولية التي تنص على احترام حق الفرد في الحياة، وفي الأمان على شخصه، ووقع على «العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" منذ شهر" يناير" 1977، (صدق عليه سنة 1979)، الذي ينص في مادته السادسة على أن " الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان".
غير أن المغرب لم يقم بعد بالتصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وتم اعتماده من الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار رقم 44/138 تاريخ 15 ديسمبر 1989. وهذا العهد الذي يعد أول تنصيص ملزم بالإلغاء، إذ جاء في مادته الأولى على أنه " لا يعدم أي شخص خاضع للولاية القضائية لدولة طرف في هذا البروتوكول.وتتخذ كل دولة طرف جميع التدابير اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام داخل نطاق ولايتها القضائية".
ويعاقب التشريع المغربي، وحتى تاريخه، بالإعدام على العديد من الجرائم التي يعتبرها خطيرة بحد ذاتها، أو لاقترانها بظروف معينة اتسعت دائرتها مع وضع قانون مكافحة الإرهاب سنة 2002. وهذا عكس التوجه الذي نص عليه القرار 77/2002، المعتمد من جانب "لجنة حقوق الإنسان" التابعة للأمم المتحدة في شهر نيسان من السنة نفسها، الخاص بعقوبة الإعدام، إذ يدعو القرار جميع الدول التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام إلى:
"(أ) الحد، بشكلٍ مطرد، من عدد الجرائم التي يجوز فيها فرض عقوبة الإعدام؛
(ب) وقف تنفيذ أحكام الإعدام القائمة، تمهيداً لإلغاء عقوبة الإعدام بشكلٍ كاملٍ؛
(ج) توفير معلوماتٍ للجمهور عن تطبيق عقوبة الإعدام."
ويمكن المجازفة بالقول إن ما ساهم في تلطيف الآثار الوخيمة لهذه الترسانة التشريعية المغربية الهائلة هو كون المشرع عمل على توسيع دائرة نطاق الظروف القضائية المخففة والأعذار القانونية، وفقاً للفصل 146 من القانون الجنائي،( ) الأمر الذي مكن من تكييف العديد من القضايا الجنائية، وأضفى مرونة كبيرة على السياسة العقابية. ولعل هذا ما يفسر العدد المحدود من الأحكام بعقوبة الإعدام بالنظر للحجم الكبير للعقوبات القصوى التي نستعرضها من خلال أربعة تشريعات تضمنت عقوبة الإعدام:
أولاً: عقوبة الإعدام في التشريع المغربي:
ينص القانون الجنائي المغربي على الإعدام لمعاقبة الكثير من الجرائم التي يعتبرها خطيرة، وفي مقدمتها الاعتداء على الملك والأسرة المالكة، وأمن الدولة الخارجي أو الداخلي، والاعتداء بالعنف الشديد على الأشخاص، وإضرام النار، ولم تعرف المنظومة الجنائية المغربية أي تعديل من شأنه التقليل من وجود هذه العقوبة، بل إن الذي حدث أخيراً، هو الزيادة في عدد الجرائم ونوعها من خلال التعديلات المتعلقة بمحاربة الإرهاب" سنة 2002، وسنعرض لذلك من خلال مختلف القوانين المغربية المرتبطة بعقوبة الإعدام،
أ- على مستوى التجريم القانوني:
يعاقب التشريع المغربي بالإعدام، الذي يعتبر من العقوبات الجنائية الأصلية، على العديد من الجرائم التي يعدها خطيرة بحد ذاتها أو لاقترانها بظروف معينة. ونجد هذا في العديد من الجرائم في القانون الجنائي الصادر في 18 جمادى الثانية 1382 هجري الموافق ل26/11/1962 بمقتضى الظهير رقم 413.59-1، وفي قانون العدل العسكري الصادر بمقتضى الظهير رقم 270-56-1 المؤرخ في ربيع الثاني 1376هجري الموافق ل(10/11/1956) وفي القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب المتمم للفصل 218 من القانون الجنائي المشار إليه. وكذا الظهير المتعلق بزجر الجرائم الماسة بصحة الأمة.
ويمكن القول إن عدد الحالات التي يمكن الحكم فيها بالإعدام وفقاً للقوانين الأربعة المشار إليها تفوق 600 حالة على اعتبار أن كل مادة من مواد القوانين المشار إليها تتضمن عدة حالات وصلت في بعضها إلى أكثر من مائتي حالة، وهكذا ينطوي القانون الجنائي: على 283 حالة منصوص فيها على عقوبة الإعدام، ويشملها 28 فصلاً من فصول هذا القانون، وتتعلق بالجرائم التالية:
1- القانون الجنائي
الفصل الجريمة
163 الاعتداء على حياة الملك أو شخصه
165 الاعتداء على حياة ولي العهد
167 الاعتداء على أحد أعضاء الأسرة الملكية
181 خيانة الأمانة في وقت السلم أو الحرب
182 الخيانة وقت الحرب
185 التجسس
186 التحريض على ارتكاب الجنايات المنصوص عليها في الفصول 181-182
190 المس بسلامة الدولة الخارجية إذا أقدم على إلحاق الضرر بوحدة التراب المغربي وقت الحرب
الفصول
201-202-203 جنايات المس بسلامة الدولة الداخلية
204 المس بسلامة الدولة الداخلية (جميع الأشخاص المنخرطين في العصابة بدون تمييز بين الرتب)
235 التحريض على المساس بالأمن الداخلي باتفاق بين سلطات مدنية أو هيئات عسكرية
267 عنف ترتب عنه وفاة مع نية إحداث هذه الأخيرة
369 شهادة الزور أدت إلى الحكم بالإعدام
392 القتل العمد في ظروف مشددة
393 القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد
396 القتل العمد لأحد الأصول
397 قتل طفل وليد عمداً
398 جريمة التسمم
399 التعذيب لتنفيذ جناية
410 الجرح، الضرب، العنف، الاعتداء، الحرمان بقصد إحداث الموت
411 أصول الطفل أو من له سلطته عليه، أو مكلفا برعايته
412 جناية الخصاء نشأ عنها الموت
438 التعذيب البدني للشخص المخطوف، أو المقبوض أو المحبوس، أو المحجوز
439 تقديم عن علم محلاً للحبس، أو الحجز أو النقل
463 تعريض طفل أو عاجز للخطر ونتج عن هذا التعريض وفاة وفق الحالات المذكورة في الفصلين
474 اختطاف قاصر تبعه موته
580 إيقاد النار عمداً في منشآت وناقلات...
581 إيقاد النار في شيء غير مملوك له إذا ترتب عن الحريق موت شخص أو أكثر
589 حالات ف – من أوقد النار عمداً، أو أمر بذلك في
شيء مملوك له، في الحالات المنصوص عليها في الفصل 582
589 حالات الفصل 583- من أوقد النار في شيء موضوع بشكل يسمح بانتقال الحريق
585 من أحرق عمداً بواسطة مفرقعات { حسب مواصفات 584-580}
591 تعطيل المرور أو مضايقته عمدا ونتج عن ذلك قتل
1- القانون العسكري
الفصل الجريمة
144 الفرار إلى صفوف العدو
145 جناية الفرار بالتواطؤ
151 جناية التحريض على الفرار من الجندية
164 جناية استعمال العنف مع جندي جريح
170- 171 التعمد بإحراق أو تحطيم المباني والعمارات، والسكك الحديدية والأسلاك والمراكز التلغرافية والتلفونية، أو الطائرات أو السفن والمراكب والبواخر وجميع الأشياء العقارية
175 تعمد جعل نفسية الجندي غير صالحة للخدمة العسكرية إذا كان الجندي أمام العدو أو محاولة ذلك
179 تعمد جعل نفسه غير صالح للخدمة وكان أمام العدو
181 الاستسلام أمام العدو أو تسليم الموقع دون أن تنفذ جميع وسائل الدفاع
182 استسلام جنرال أو قائد
183 أسير ينكث عهده ويلقى عليه القبض حاملاً سلاحاً
184 المشاركة في مؤامرة قصد عرقلة تنفيذ ما يقرره الرئيس أو تحريض الجنود على الفرار
185 إحالة وثائق لفائدة عدو
186 التسرب المتنكر إلى مراكز عسكرية
187 التحريض على الالتحاق بصفوف العدو
1- قانون مكافحة الإرهاب:
يشتمل قانون مكافحة الإرهاب على أغلبية الجرائم الواردة في القانون الجنائي التي أصبحت جرائم إرهاب لمجرد اقترانها بظروف أو شروط معينة بما ترتب عن الصفة الجديدة لتلك الجرائم(صفة جرائم إرهاب) وأدى إلى رفع عقوبات السجن المحدد أو المؤبد إلى عقوبة الإعدام. وهكذا نجد أن الفصل 1- 218 يتضمن عشرة أنواع من الجرائم المسطرة في القانون الجنائي، وتصبح جرائم إرهاب عندما تكون لها علاقة عمداً بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بوساطة التخويف أو الترهيب أو العنف.
وطبقاً للفصل 7-218 من قانون مكافحة الإرهاب، فإنه يتم وضع الحد الأقصى لعقوبة الجرائم الواردة في الفصل 1-218 إذا كان الفعل المرتكب يشكل جريمة إرهابية بحيث تصبح العقوبة هي الإعدام إذا كانت العقوبة المقررة لها في القانون الجنائي هي المؤبد...
الفصل الجرائم
1/218 الاعتداء
1/218 التخريب
1/218 تحويل الطائرات
1/218 السرقة
2/218 صنع أو حيازة ناقل
2/218 إذا نتجت عنه وفاة
2/218 إذا نتج عنه فقد عضو أو بتره...
3/218 وضع أو إدخال مادة تعرض الصحة، أو الحيوان أو المجال للخطر
7/218 الجرائم المعاقبة بالمؤبد في القانون الجنائي
1- الظهير المتعلق بزجر الجرائم الماسة بصحة الأمة
ويضم ثلاثة فصول نوردها كما جاءت في نص الظهير:
الفصل 1
يعاقب بالإعدام الأشخاص الذين قاموا عن تبصر قصد الاتجار بصنع منتوجات أو مواد معدة للتغذية البشرية وخطيرة على الصحة العمومية أو باشروا مسكها أو توزيعها أو عرضها للبيع أو بيعها.
الفصل 2
يعاقب عن الجرائم المبينة في الفصل الأول ولو سبق اقترافها تاريخ صدور ظهيرنا الشريف هذا.
ويجرى التحقيق ويصدر الحكم فيها طبقاً لمقتضيات الظهير الشريف المؤرخ في 22 شوال 1376 الموافق (23 مايو 1957) المغير بالظهير الشريف الصادر في 12 ذي القعدة 1378 الموافق (2 يونيو 1959) بشأن تنفيذ العقوبات بالإعدام، وتكون موضوع إشهار بوساطة الإعلانات ضمن الشروط التي بينها بدقة عن كل حالة من الحالات قرار محكمة العدل.
الفصل 3
إن الأحكام الصادرة تطبيقاً لظهيرنا الشريف هذا والمحاضر المتضمنة تنفيذ الإعدام – المحررة وفقاً للفصل السادس من الظهير الشريف رقم 1.59.023 الصادر في 25 ذي القعدة 1378 الموافق لـ 2 يونيو 1959 بشأن تنفيذ العقوبات بالإعدام – تكون موضوع إشهار بوساطة إعلانات ضمن الشروط التي يبينها بدقة عن كل حالة من الحالات قرار محكمة العدل والسلام.
ب - إجراءات التنفيذ
عالجت المسطرة الجنائية إشكالية تنفيذ عقوبة الإعدام بعد أن كانت إجراءات التنفيذ متضمنة في الفصل 19 من القانون الجنائي، الذي تم نسخه من هذا الأخير وإدراجه ضمن قانون المسطرة الجديد، ونورد مضامينها كالتالي:
تنفيذ عقوبة الإعدام
مع استنفاد كل إجراءات الاستئناف والنقض، لا يجري حكم الإعدام إلا بعد رفض طلب العفو الذي يتم تقديمه بشكل عفوي من طرف النيابة العامة، وذلك بحسب الفصل 34 من الدستور المغربي.
المادة 601: يتعين على النيابة العامة أن تنهي إلى علم وزير العدل كل قرار بعقوبة الإعدام بمجرد صدوره.
المادة 602: لا يمكن تنفيذ عقوبة الإعدام إلا بعد رفض طلب العفو.
إذا كانت المحكوم عليها امرأة ثبت حملها، فإنها لا تعدم إلا بعد مرور سنتين على وضع حملها.
تنفذ عقوبة الإعدام بأمر من وزير العدل رمياً بالرصاص، وتقوم بذلك السلطة العسكرية التي تطلبها لهذه الغاية النيابة العامة لدى المحكمة التي أصدرت القرار.
المادة 603: لا يكون التنفيذ علنياً إلا إذا قرر وزير العدل ذلك.
يقع التنفيذ داخل المؤسسة السجنية التي يوجد المحكوم عليه رهن الاعتقال بها أو في أي مكان آخر يعينه وزير العدل، وذلك بحضور الأشخاص الآتي بيانهم:
1- رئيس الغرفة الجنائية التي أصدرت القرار وإلا فمستشار من هذه الغرفة يعينه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف؛
2- عضو من النيابة العامة يعينه الوكيل العام للملك لمحكمة الاستئناف التي أصدرت القرار؛
3- أحد قضاة التحقيق وإلا فأحد القضاة من محكمة المكان الذي سيقع به التنفيذ يعين من طرف رئيس المحكمة المذكورة؛
4- أحد كتاب الضبط من محكمة المكان الذي سيقع به التنفيذ؛
5- محامو المحكوم عليه؛
6- مدير المؤسسة السجنية التي يقع بها التنفيذ أو مدير السجن الذي كان المحكوم عليه معتقلاً به عندما يقع التنفيذ بمكان آخر؛
7- رجال الأمن الوطني أو الدرك الملكي المكلفون من قبل النيابة العامة؛
8- طبيب المؤسسة السجنية، وإذا تعذر ذلك، فطبيب تعينه النيابة العامة؛
9- إمام وعدلان، وإذا لم يكن المحكوم عليه مسلماً فيحضر ممثل الديانة السماوية التي يعتنقها المنفذ عليه.
المادة 604: إذا أراد المحكوم عليه أن يفضي بأي تصريح، فيتلقاه منه قاضي التحقيق أو القاضي المشار إليه في البند رقم 3 من المادة السابقة، بمساعدة كاتب الضبط.
المادة 605: يحرر محضر التنفيذ فوراً من قبل كاتب الضبط، ويوقعه كل من رئيس غرفة الجنايات أو المستشار المعين من طرف الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وممثل النيابة العامة وكاتب الضبط.
تعلق مباشرة بعد التنفيذ نسخة من هذا المحضر بباب المؤسسة السجنية التي وقع فيها التنفيذ وتبقى معلقة لمدة أربع وعشرين ساعة.
إذا وقع التنفيذ خارج المؤسسة السجنية يعلق المحضر بباب بلدية مكان التنفيذ.
المادة 606: لا يمكن أن ينشر عن طريق الصحافة أي بيان أو مستند يتعلق بالتنفيذ ما عدا المحضر المذكور، وإلا تعرض المخالف لغرامة تتراوح بين 10.000 و60.000 درهم.
يمنع تحت طائلة نفس العقوبة أن ينشر أو يذاع بأي وسيلة من الوسائل ـ قبل التنفيذ أو قبل تبليغ ظهير العفو لعلم المحكوم عليه ـ أي خبر أو أي رأي أبدته لجنة العفو، أو الأمر الصادر عن جلالة الملك.
المادة 607: تسلم جثة المحكوم عليه إثر التنفيذ إلى عائلته إذا طلبت ذلك، على أن تلتزم بدفنه في غير علانية، وإلا فيتم دفنه من طرف الجهات المختصة بمسعى من النيابة العامة.
الحالة الوحيدة التي يتم فيها التنصيص على تأجيل تنفيذ عقوبة الإعدام المحكوم، هي وضعية المرأة التي ثبت حملها، وهو ما تفرضه مقتضيات قانونية تتجلى في كون الحكم بالإعدام يصدر ضد الأم الحامل وليس على الجنين الحي الموجود في بطنها الذي لو أعدمت أمه لامتد الإعدام إليه مع أنه غير مذنب...
من ناحية أخرى، لم تمنع حالة وقف التنفيذ القضاة من التمادي في إصدار أحكام جديدة بعقوبة الإعدام، مما أدى، ويؤدي إلى تزايد عدد المحكومين بالإعدام الذين يفدون على المؤسسة السجنية ويطرح مشكلة تعامل هذه المؤسسة معه، إذ تجد نفسها في حيرة من أمرها بعلاقة مع محكومين عهدوا إليها في انتظار تنفيذ حكم الإعدام فيهم، مع أن بعضهم يوجد رهن الاعتقال منذ ما ينيف عن العشرين سنة. فالقانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المِؤسسات السجنية، الصادر بتاريخ 25 غشت 1999 لم يتطرق لفئة المحكوم عليهم بالإعدام، وترك الأمر للمرسوم التطبيقي رقم 2.00.485 الصادر في 3 نونمبر 2000، الذي تحدد بموجبه كيفية تطبيق القانون السالف الذكر، حيث خصص الفرع الأول من الباب العاشر المتعلق بالنظام المطبق على أصناف خاصة من المعتقلين، للمحكوم عليهم بالإعدام، وذلك في أربع مواد (من مجموع 161 مادة).
باستثناء المادة 143التي تنص على أنه: يجب إبلاء المحكوم عليهم بالإعدام عناية خاصة تمكن من دراسة شخصيتهم وتتبع حالتهم النفسية والحفاظ على توازنهم بشكل يستبعد معه احتمال كل محاولة هروب أو انتحار أو إضرار بالغير.التي تصطبغ بالعمومية، وتبرز الهاجس الأمني المتضخم، على حساب ضمان وصيانة حقوق السجناء المحكومين بالإعدام، فإن المواد الثلاث الباقية، لا تتعدى التدابير الإدارية الاعتيادية المنشغلة، كما هي العادة، بالهاجس الأمني، مع صرف النظر عن الضمانات التي تخول السجين التمتع بالرعاية الصحية والمعنوية ما دام في عهدة المؤسسة السجنية، تماشياً مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
المادة 142: يمكن ترحيل المحكوم عليهم بالإعدام إلى مؤسسة تتوفر على حي معد لهذه الفئة من المعتقلين بمجرد النطق بالحكم.
المادة 144: يستفيد المحكوم عليهم بالإعدام من زيارة أفراد عائلاتهم وأوليائهم وأصهارهم، ويمكنهم التوصل مباشرة من هؤلاء، وتحت مسؤوليتهم، بالمؤن التي يتعين تفتيشها بكل دقة من طرف إدارة المؤسسة.
لا يمكن للمحكوم عليهم بالإعدام التوصل بالمؤن الغذائية الموجهة إليهم بواسطة طرود أو خارج الإطار المسموح به في الفقرة الأولى أعلاه.
يستفيد المحكوم عليهم بالإعدام خلال هذه الوضعية من الاتصال بدفاعهم ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة 80 من القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.
تتخذ إدارة المؤسسة جميع الاحتياطات الأمنية لتمر الزيارة في ظروف سليمة.
المادة 145: يمنع في أي حال من الأحوال تبليغ المحكوم عليه بالإعدام بقرار رفض طلب العفو.
ثانياً: عقوبة الإعدام بالمغرب بين التاريخ القريب والواقع الحالي
تاريخياً، وبحسب وزارة العدل، صدر بالمغرب حتى سنة 1994، 198حكماً بالإعدام منذ الاستقلال، وفي السنة نفسها صدر عفو شامل من عقوبة الإعدام استثنى 13 فرداً، وحسب الإحصاءات الرسمية، وإلى حدود آخر حكم بالإعدام 20 يونيو 2007 يوجد بالمغرب حوالي 140 محكوماً بالإعدام.
من حيث تنفيذ أحكام الإعدام، فيمكن القول إنها نادرا ما كانت تقع مع الإشارة إلى أن هناك سلسلة من الإعدامات تمت خارج إطار القانون التي شهدها المغرب خلال ما عرف بسنوات الرصاص.
وكانت أهم المحطات التي عرف فيها المغرب حالات تنفيذ لحكم الإعدام بموجب حكم قضائي هي:
1963، إعدام أربعة محكومين؛ 1971، إعدام ثلاثة عشر شخصاً؛ 1972، إعدام أحد عشر شخصاً؛ 1973، إعدام خمسة عشر محكوماً بالإعدام؛ 1974 إعدام سبعة محكومين؛ 1982، إعدام شخصين؛ 1993، إعدام شخص واحد، وكان آخر إعدام عرفه المغرب.
والملاحظة الأساسية هي أنه عدا الثلاث حالات الأخيرة، المتعلقة بجرائم الحق العام (حالة متشوق ورفيقه وحالة الكوميسر ثابث، الذي كان آخر شخص نفذ فيه الإعدام بالمغرب) تظل كل القضايا التي بلغ عددها، بحسب المعلومات المتوافرة لنا، إحدى وخمسين حالة. كلها ذات صبغة سياسية؛ أي ما يشكل نسبة أقل من إثنتين بالمائة.
السنة التهمة العدد الإطار
1961 حيازة السلاح والإخلال بالأمن العام والقتل العمد 04 قضية ما يعرف بملف الفواخري في إطار معارضة نظام الحسن الثاني بداية
1964 القتل العمد 01 عبدالرحيم إينوس (لم يتعد عمره 14 سنة أطلق النار على ضابط اتهم بتصفية مجموعة من المقاومين للاستعمار)
يوليو 1971 محاولة الانقلاب 13
(من بينهم 4 جنرالات، 4 كولونيلات وكومندار) الهجوم على القصر الملكي بالدبابات بهدف إحداث انقلاب عسكري يوم التاسع من يوليو 1971.
يناير 1973 محاولة الانقلاب 11 (ضباط طيارون) قضية الهجوم جواً على الطائرة الملكية
نوفمبر 1973 حيازة السلاح والإخلال بالأمن العام.... 15 ملف أحداث مولاي بوعزة
غشت 1974 حيازة السلاح والإخلال بالأمن العام.... 07 ملف أحداث مولاي بوعزة
1982 القتل العمد.... 02 ما عرف بملف متشوق ورفيقه
شنبر 1993 هتك عرض نساء مع استعمال العنف والوحشية..... 01 (الكومييسر ثابت) أعدم الكوميسير ثابت بتهمة هتك عرض عدة نساء مع استعمال العنف والوحشية والقيام بتصويرهن على أشرطة فيديو خاصة
كما تمت الإشارة لذلك، فإن إيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام لم يمنع المحاكم المغربية من الاستمرار في إصدار أحكام بالإعدام، حيث عرفت سنة 2006 وحدها إصدار خمسة أحكام بالإعدام، وعرف المغرب مؤخراً، خلال شهر يونيو حكماً جديداً بالإعدام وتأكيداً لحكمين بالإعدام صدرا بداية السنة الحالية.
تجربة الحركة المناهضة لعقوبة الإعدام بالمغرب من المطلب الحقوقي إلى التبني السياسي.
منذ عقود نادت أصوات حقوقية مغربية بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب، وجدير بالذكر أن أول بادرة في المغرب تمثلت فيما تضمنه الميثاق الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، الذي أعلنت عنه خمس جمعيات حقوقية ومهنية بتاريخ 10 دجنبر 1990، وهو الميثاق الذي نادى صراحة بإلغاء عقوبة الإعدام( ). لكن يمكن القول إنه مع الجرأة والشجاعة التي اتسمت بها هذه المواقف النبيلة، لم ينجح هذا المطلب إلا مؤخراً في تجاوز دائرة بعض الجمعيات الحقوقية التي أدرجته ضمن قوانينها الأساسية، وأكدته في مجموعة من بياناتها وتقاريرها ومؤتمراتها.
ومن شأن عرض أهم مراحل هذا التحول النوعي أن يساعد على استخلاص دروس ثمينة في مجال النضال من أجل فرض مطلب إلغاء عقوبة الإعدام.
عملت جمعية المرصد المغربي للسجون، منذ تأسيسها سنة 1999، على إدراج مطلب إلغاء عقوبة الإعدام ضمن قانونها الأساسي، ومنذ آنذاك انكبت على بلورة الحجج والدعائم التي تمكن من إسناد هذا المطلب، وقد تم تتويج هذين المجهودين بتنظيم الندوة الدولية الأولى من نوعها في تاريخ المغرب بالدار البيضاء، بتاريخ 10 أكتوبر 2003، حول عقوبة الإعدام بالمغرب.
لقد مكنت هذه الندوة المنظمة تحت عنوان "عقوبة الإعدام بالمغرب بين القوانين الوطنية والمواثيق الدولية"( )، وعالجت أشغالها مواضيع عقوبة الإعدام كما تناوله التشريع الدولي والتشريع الوطني، إضافة لمحور استراتيجية حركة حقوق الإنسان الدولية والمحلية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، من إغناء ملف الأدبيات الداعم لمطلب إلغاء عقوبة الإعدام عن طريق الاحتكاك بتجارب المنظمات الدولية المشاركة كمنظمة الإصلاح الجنائي من خلال رئيسها المرحوم أحمد عثماني، وجمعية آمنستي وجمعية "معاً ضد عقوبة الإعدام".
هذه الإضافة النوعية العامة لم تكن وحدها ما أتت به هذه الندوة، فقد شكلت منعطفاً هاماً في تاريخ الحركة المناهضة لعقوبة الإعدام بالمغرب من حيث كونها حققت مكسبين هامين استهدفتهما استراتيجية المرصد آنذاك، وتأكدت أهميتهما فيما أسفرا عليه من نتائج في:
• استثمار فعال لقدرات الساحة الوطنية، ولم شمل المناهضين الوطنيين لعقوبة الإعدام داخل إطار تنسيقي على المستوى الوطني؛
• صهر العمل المحلي ضمن سياقه العالمي من خلال تكثيف الحضور الفعال ضمن لجنة الإشراف على التحالف الدولي؛
- على المستوى الأول، من داخل أشغال ندوة أكتوبر 2003، انبثقت النواة الأولى للعمل التنيسقي، حيث تشكلت آنذاك لجنة التنسيق الوطنية بين أهم الجمعيات الوطنية المناهضة لعقوبة الإعدام بالمغرب.(انظر البيان الختامي للندوة ضمن الملحقات). كآلية وطنية لتنسيق جهودها من أجل حمل الدولة المغربية على الانخراط الفعلي في الدينامية الدولية الهادفة إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وقامت منذ ذلك التاريخ بالعديد من التحركات والمبادرات التي مست مجالات التعبئة من خلال تنظيم تجمعات دراسية مع محامين وممثلي الأحزاب والنقابات ومختلف الجمعيات لحثها على المساهمة في دعم نشاط اللجنة معنوياً وأدبياً، كما أنجزت أنشطة للتوعية كعقد لقاءات بالطلبة في الجامعات( ) والدعم للحملة بوضع عرائض للتوقيع من طرف المجتمع السياسي والمجتمع المدني وعموم المواطنين والمواطنات، وتنظيم وقفات أمام البرلمان بمناسبة0 أكتوبر اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، وإنجاز تحقيق عقب زيارة ميدانية لحي الإعدام بالسجن المركزي بالقنيطرة، وهو السجن الذي يأوي أكثر من 90 بالمائة من المحكومين بالإعدام، بتاريخ 19 أبريل 2005 وإصدار تقرير عنها بعثت منه نسخة مرفقة بمذكرة مطلبيه (انظر نسخة من التقرير في الملحقات) إلى وزير العدل، مع إعطاء أهمية خاصة للتواصل عبر اللقاء بممثلي وسائل الإعلام لإمدادهم بتقارير ودراسات ومقالات حول الموضوع ليتسنى لهم دعم الحملة الوطنية التي أطلقت في 28 أبريل 2005 تحت شعار: "جميعاً من أجل إلغاء عقوبة الإعدام" وأيضاً الترافع من خلال المذكرة المرفوعة للحكومة المغربية في شخص السيد وزير العدل.
وكان لسنتين من العمل المتواصل في التعبئة والتوعية نتائج هامة تجلت أولاً في تفعيل النقاش حول عقوبة الإعدام بالمغرب، واحتلاله الموقع الملائم ضمن اهتمامات الرأي العام المغربي.
من جانب آخر، ساهمت اللجنة في صياغة أول سؤال شفوي في مايو 2005 ضمن قبة البرلمان بخصوص موضوع عقوبة الإعدام ومشاريع الحكومة المغربية التي تنوي الغاؤها.
وكان من نتائج ولوج النقاش إلى البرلمان وضع مشروع اقتراح ينادي بإلغائها من التشريع المغربي من طرف أحد الفرق النيابية (انظر نسخة للمشرع في المرفقات). ثم تنظيم اليوم الدراسي الذي نظمته المجموعة النيابية بالبرلمان نفسها يوم 2006/12/08 بحضور فرق نيابية أخرى وأعضاء اللجنة الوطنية.
- على المستوى الثاني: مكن الحضور ضمن أشغال المؤتمر الأول للحركة المناهضة لعقوبة الإعدام ستراسبورغ بفرنسا سنة 2001 من تلمس ضعف الاهتمام بالمنطقة العربية داخل مجال التحالف العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام الذي تأسس آنذاك. وقد كان للصدى الذي عرفته الندوة الدولية للمرصد دور كبير في كسب تمثيلية لجنة التنسيق ضمن لجنة الإشراف على التحالف العالمي ضد عقوبة الإعدام والإسهام في الإعداد للمؤتمر العالمي الثاني ضد عقوبة الإعدام بمونتريال الذي خصص ندوات لمناقشة إشكالية عقوبة الإعدام بالعالم العربي بعرض تجارب بعض البلدان العربية، مثل:الأردن، وتونس، ولبنان، والمغرب، وبمشاركة وفود الجزائر، ومصر، وموريتانيا، والبحرين، وهو ما جعل المؤتمر يؤكد في بيانه الختامي على أهمية بلورة استراتيجية جهوية داخل شمال إفريقيا والعالم العربي.
من جهة ثانية، استطاعت الدينامية المحلية التي عرفتها الحركة المناهضة لعقوبة الإعدام على المستوى المحلي من تتويج جهود وجود ممثل اللجنة الوطنية داخل لجنة الإشراف بإقناع أعضاء لجنة الإشراف الدولي بعقد الجمع السنوي للإئتلاف الدولي بمدينة الدار البيضاء بتاريخ 19/20 يونيو 2006، الذي حضرته وفود من 14 بلداً من أوروبا، وأمريكا، وإفريقيا، وتميز بتنظيم يوم ثان على هامش الجمع العام خصص بالأساس لدراسة استراتيجيات العمل بالعالم العربي.
خلال هذا الجمع العام تم تبني قرار بإعطاء حيز هام لمنطقة العالم العربي وشمال إفريقيا خلال المؤتمر الثالث، وهو ما حصل، إذ تم خلال المؤتمر الذي عقد بباريس من فاتح إلى ثالث فبراير 2007، تخصيص محورين أساسيين يتعلقان بهذه المنطقة وهما: الإسلام وعقوبة الإعدام، ثم سبل العمل من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في العالم العربي واستراتيجيات العمل من أجل إلغائها مع اعتبار اللغة العربية لغة رسمية ثالثة للمؤتمر.( )
من هذا العرض السريع لمسار الحركة المغربية لمناهضة عقوبة الإعدام وما حققته من نتائج هامة في ظرف لا يتعدى الثلاث سنوات تبرز مدى نجاعة الخيارات الاستراتيجية في الدمج بين البعدين المحلي والدولي من خلال إبراز البعد الجهوي المتميز لمنطقة العالم العربي ضمن السياق الدولي.
ثالثاً: استشراف التوجهات
يمكن الجزم اليوم بأن الاهتمام بموضوع عقوبة الإعدام قد اخترق مجال الشأن العام، وأصبح يفرض نفسه على الساحة السياسية المغربية، بعد أن اكتسب عنصر النضج وأصبح مطروحاً بوصفه قضية سياسية ترتبط على الخصوص بخيارات السياسة الجنائية المستقبلية، بل أصبحنا نجد هناك مؤسسات سياسية وشبه رسمية تتبنى مطلب الإلغاء وتدافع عنه، كما نسجل اختراق النقاش للمؤسسة البرلمانية المغربية.
ونستشهد على ذلك من خلال النماذج التي نسوقها فيما يلي:
على مستوى الرأي العام: بالمقارنة مع فترة قريبة جداً، كان فيها الحديث عن عقوبة الإعدام، يعد من المحرمات أو من الأشياء المسكوت عنها، استطاعت النشاطات المكثفة للجنة التنسيق تنظيم العديد من الأنشطة لا يسمح المجال لتعدادها، تجلى مداها وتأتيرها في اهتمام الإعلام المغربي بالموضوع، إذ كان هناك حدثان هامان ساعدا كثيراً في اختزال المسافات، وتعميم الاهتمام بالموضوع على مستوى التراب الوطني. خصصت القناة الثانية (أكثر القنوات التلفازية متابعة من طرف المغاربة) البرنامج الناجح "مباشرة معكم"، بتاريخ 6 أبريل من سنة 2005، لموضوع عقوبة الإعدام بالمغرب، حضره مستشار وزير العدل، ومدير المدرسة الحسنية للدروس الدينية (تماثل الأزهر بمصر)، كما حضره محكوم سابق بالإعدام في إطار الحق العام، سبق أن قضى 23 سنة بالسجن واستفاد من الإفراج الشرطي. الحدث الثاني هو بث برنامج وثائقي(60 دقيقة) عن المحكومين بالإعدام حيث تمت محاورة مجموعة من المحكومين بالإعدام داخل زنازينهم، كما تم تقديم آراء مجموعة من الفاعلين والمسؤولين وآراء لعائلات المحكومين والضحايا.( ) وقد ساهم هذان الحدثان في إحداث تغيير إيجابي لنظرة الرأي العام الوطني نحو عقوبة الإعدام.
إضافة لدور الإعلام المكتوب في ترويج أنشطة اللجنة التنسيقية وتغطية نشاطاتها التي بلغت ذروتها مع عقد اللجنة الوطنية ندوة صحفية للإعلان عن انطلاق برنامج الحملة الوطنية ضد عقوبة الإعدام باستضافة المدير التنفذي لجمعية "معاً ضد عقوبة الإعدام". وكذلك بتغطية سلسلة الجلسات واللقاءات التشاورية التي دارت مع مختلف ممثلي الهئيات السياسية والنقابية، دون أن ننسى تغطية القنوات التلفازية للوقفة الناجحة أمام البرلمان من أجل التنديد باستمرار العمل بعقوبة الإعدام، والمطالبة بإلغائها بتاريخ العاشر من تشرين الأول سنة 2005.
على مستوى مراكز صنع القرار: نظمت وزارة العدل المغربية بمدينة مكناس أيام (9 و10 و11 كانون الأول 2004) ندوة حول السياسة الجنائية بعنوان " واقع وآفاق". وقد خصصت هذه الندوة التي اعتبرت مدخلاً لمشاريع مراجعة التشريع الجنائي المغربي، لدراسة مجموعة من المواضيع القانونية والحقوقية التي تشغل بال الممارسين والمعنيين بمحاربة الجريمة، واستهدفت البحث عن أجوبة ملائمة للحد من الجريمة، ووضع تصورات حول نظام عقابي متطور يراعي ضرورات الإصلاح ويحقق الردع الكافي. ومن بين المحاور التي تم التطرق لها: عقوبة الإعدام، وكانت التوصية التي خرجت بها المناظرة هي الحد من عقوبة الإعدام وانتهاج التدرج في إلغائها.
من زاوية ثانية، رخصت وزارة العدل لأعضاء اللجنة الوطنية لمناهضة عقوبة الإعدام بزيارة مطولة لحي باء وحي جيم بالسجن المركزي بالقنيطرة، إذ يقبع ما ينيف عن 90 بالمائة من مجموع المحكومين بالإعدام بالمغرب، وحررت تقريراً عن الزيارة مختوماً بمجموعة من التوصيات وجهت لوزير العدل مطالبة بتحسين شروط عيشهم، وبضرورة إصدار عفو شامل من عقوبة الإعدام بتحويلها إلى عقوبة محددة. وقد برزت آثار المجهود في فك العزلة المضروبة عليهم، واستفادة 25 منهم من العفو عن عقوبة الإعدام، وتحويلها إلى عقوبة السجن المؤبد.
على إثر هذه النتائج الهامة التي حققها مسلسل تكثيف أنشطة المرافعة والتشبيك، تبينت أهمية استثمار الحقل السياسي، خصوصاً بعد استقطاب جملة من الوزراء والمسؤولين الكبار لمساندة مطلب الإلغاء الرسمي من ضمنهم وزير العدل الحالي الذي سبق له أن صرح بذلك أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة (أعلن، بمناسبة انعقاد الدورة 61 لجمعية حقوق الإنسان للأمم المتحدة على التزام المغرب بالتوجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام).إضافة إلى حضور أشخاص رسميين وازنين في النقاشات وفي مختلف الأنشطة بهذا الخصوص.
وكانت مناسبة عقد المؤتمر الثالث لحركة مناهضة عقوبة الإعدام فرصة عامة من أجل إجراء لقاءات مباشرة مع الأمناء والكتاب العاملون لأكبر الأحزاب السياسية من أجل دفعها لإعلان مواقفها، ودعوتها لحضور الندوة الصحفية الدولية الوحيدة للإعلان عن المؤتمر التي عقدت في الرباط في مقر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتاريخ 23( ) يناير 2007. وترأسها المرحوم إدريس بنزكري الذي كان يترأس هذا المجلس، وحضرها الأمناء العامون لأربع أكبر الأحزاب المغربية، وكانت هذه الندوة إعلاناً عن خروج مطلب إلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب من دائرته الحقوقية إلى دائرة أوسع بتبنيه من طرف النخبة السياسية، وكذلك من طرف مؤسسة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.
وعلى العموم، يمكن التأكيد أنه لا توجد اليوم بالمغرب مواقف عدائية تجاه الدعوة لفتح النقاش حول هذا الموضوع، وهذا يمكن أن يعتبر في حد ذاته مكسباً هاماً في مسيرة الدعوة لإلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب.
إذا أردنا الآن استقراء أهم المواقف التي تعرفها الساحة المغربية، فإن هناك مواقف تدعو إلى الإلغاء الجزئي (أي أن بعض الجرائم الخطيرة يجب أن يستمر العمل بعقوبة الإعدام بصددها وخصوصاً جريمة القتل العمد المقترن بظروف التشديد). وهناك موقف أكثر نضجاً يذهب في اتجاه الإلغاء التدريجي لهذه العقوبة على اعتبار ضرورة إعداد الرأي العام لتقبل موقف الإلغاء.
هذا في حين أننا، داخل حقل المنادين بالإلغاء، نصر على المطالبة بالإلغاء الكلي انطلاقاً من أنه لم يعد هناك مبرر للإبقاء على هذه العقوبة البربرية في ضوء الأخذ بالاعتبار عامل الاستقرار السياسي الذي يعرفه المغرب، إضافة لكونها غير ناجحة، خصوصاً وأن، في المغرب لم تطبق هذه العقوبة منذ 14 سنة، فلماذا، إذن، الزج بالمحكوم عليهم في السجون حيث يوجد ضمنهم من قضى أكثر من 28 سنة في حي الإعدام؟!( )
بقيت الإشارة إلى أنه في المغرب، تطرح عقوبة الإعدام داخل إطار القانون الجنائي الذي هو قانون وضعي، (ترتكز المنظومة القانونية المغربية على الفقه الوضعي بعد أن أزاحت من مرجعيتها كل ما يتصل بمبدأ الحدود والقصاص). من هنا، يمكن للإلغاء أن يتخذ شكلين اثنين: أولاً، وعلى اعتبار أن المغرب عبر أكثر من مرة عن التزامه بالانخراط في المنظومة التشريعية الدولية، بالتصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الذي يدعو الدول للالتزام بالإلغاء، وبالتالي يتيح الوقت للشروع في مرحلة تعديل التشريع الجنائي الوطني من أجل حذف كل ما يتصل بعقوبة الإعدام واستبدالها بعقوبات أخرى.
أما الشكل الثاني فهو أن يتم قرار الإلغاء من داخل قبة البرلمان في إطار مشروع تعديل القانون الجنائي الذي تشتغل عليه الحكومة من أجل عرضه على البرلمان.
هذان الخياران يتطلبان إعطاء الأولوية للعمل في اتجاه العمل النيابي والمؤسسة التشريعية التي ستفرزها انتخابات سبتمبر 2007، وفي مرحلة آنية اتجاه الحكومة الحالية من أجل اتخاذ قرار التصديق على البروتوكول الاختياري الثاني قبل رحيلها.
كما يبقى الأمل معقوداً على إمكانية مبادرة ملكية لإعطاء توجيه في هذا الصدد.
وهناك توضيح أساسي يفرض نفسه، وهو أنه، إضافة للدعائم التي نبني عليها مطلبنا في الإلغاء، فإن هذا المطلب لا يشكل غاية في حد ذاته، إنما يعتبر مدخلاً أساسياً للتفكير الجدي في بدائل لهذه العقوبة تستند إلى إشراك المجتمع المدني وعامة الجمهور الذي عليه أن يعي ويستوعب السياسة الجنائية التي ينخرط فيها بلده.
وننهي هذا العرض بإشارة إلى أنه بخصوص العالم العربي، فقد نظمت خلال مؤتمر باريس الأخير، مائدة مستديرة حول استراتيجيات إلغاء عقوبة الإعدام في العالم العربي، التي شكلت مناسبة للقاء مجموعة من الفاعلين الحقوقيين ممثلين لجمعيات حقوقية لها اعتبارها في كل من مصر، والأردن، وتونس، ولبنان، والبحرين، والمغرب. وتم الخلوص إلى أن الشروط المتفاوتة في معالجة هذه المسألة تفرض الحديث عن استراتيجيات (في تونس مثلاً يتم رفع شعار وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، وفي مصر، هناك إشكالية في تأسيس الإثبات والدعامات الدينية من أجل تكسير التابوهات، وفي بعض البلدان الأخرى، ما زالت هناك إرهاصات من أجل فتح النقاش داخل الهيئات الحقوقية) متنوعة تأخذ بالنظر الظروف والشروط المتفاوتة داخل العالم العربي.
للتذكير فقد، نشير إلى أن موضوع عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء طرح ضمن الندوة المنظمة بمدينة مراكش، بتاريخ 26 و27 نيسان 2006، حول موضوع السياسة الجنائية في الوطن العربي، وظهرت مع هذه الندوة الحاجة الكبرى إلى العمل على إنضاج الشروط على مستوى العالم العربي سياسياً وثقافياً من أجل الانطلاق في حملة واسعة تأخذ بالاعتبار أمرين أساسيين هما: أولا التشبيك من خلال تجميع كل المطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام، وثانياً إفساح المجال من أجل نقاش واسع حول الدعائم والركائز للمطالبة بالإلغاء بالنظر لوجه خصوصيات العالم العربي الإسلامي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جرائم الإيذاء العمدي

النظريات المفسرة للسلوك الاجرامي

علاقة علم العقاب بباقي فروع العلوم الجنائية الأخرى