التجنيح القضائي






التجنيح القضائي



التجنيح القضائي وإعادة التكييف القانوني
ارتباطا بموضوع التكييف القانوني والإشكالات المرتبطة به نود أن نسلط الضوء على مفهوم آخر يشابهه بعض الشيء وهو مفهوم التجنيح القضائي ،فما هومدلول التجنيح القضائي ؟ وماهو الفرق بينه وبين مفهوم التكييف القانوني ؟
ـ مدلول التجنيح القضائي :
يقصد بالتجنيح القضائي حسب ـ الفقه الجنائي ـ تغييرصفة جريمة معينة من وصف أشد إلى وصف أخف من حيث العقوبة المنصوص عليها في القانون ،والتجنيح القضائي من صنع وابتكار القضاء الفرنسي إجراءا واصطلاحا،لذلك لانجد له مدلولا لغويا في القاموس العربي، وهويتحقق غالباـ بحسب التعريف أعلاه ـ بإطلاق وصف جنحة على جريمة هي في الواقع جناية تحمل حسب ظروف ارتكابها لأكثر من وصف جنائي، لذلك نجد المشرع يستعمل في بعض الأحيان عبارة"مالم يستحق عقوبة أشد،مالم يكن فعله أحد الجرائم الأشد،مالم يكن فعله مشاركة في جريمة أشد ،مالم يوجد نص قانوني خاص يقرر عقوبة أشد،وفي غير الأحوال التي يكون فيها الفعل جريمة أشد". ونذكر على سبيل المثال الفصول (345ـ361ـ364ـ366ـ373ـ380ـ381ـ405ـ406ـ515ـ522ـ593 ق ج). ومن الأمثلة على ذلك السرقة التي تعتبر في أبسط صورها جنحة ضبطية (سرقة زهيدة طبقا للفصل506ق ج) إلا أن اقترانها بظروف خاصة وهي الظروف المشددة المنصوص عليها في الفصول من 705 الى510 ق ج جعل وصفها الجرمي يتغير وتصبح تبعا لذلك جناية (سرقة موصوفة).
ويتحقق التجنيح أيضا بمجرد إحلال الصفة الجنحية محل الصفة الجنائية في النازلة،مثل اعتماد تكييف الضرب والجرح العمديين مع سبق الإصرار عوض اعتماد تكييف محاولة القتل العمد،أو الاقتصار على المتابعة بالجريمة الأخف عند توفر حالة التعدد المعنوي،وذلك بالتخلي عن القاعدة القانونية كما لو كان التعدد غير موجود،مثل المتابعة بالنصب فقط في حالة وجود النصب بواسطة الزور واستعماله.وأحيانا يتم تكييف الظرف المشدد على أنه جنحة مستقلة مثل جريمة السرقة بالعنف التي هي جناية السرقة الموصوفة لتصبح جنحتي السرقة العادية والعنف . كما يتم أحيانا التجنيح عن طريق إحلال صفة المحاولة في الجنحة إذا كان معاقبا عليها محل محاولة الجناية ،كاعتماد محاولة استدراج شخص بالإكراه من أجل ممارسة البغاء عوض محاولة الاغتصاب،هذا مع العلم أن العقوبة المقررة لجنحة محاولة الاستدراج المنصوص عليها في الفصل499 ق ج تتساوى في حدها الأقصى مع العقوبة المقررة للاغتصاب المنصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 486 ق ج.
تمييز التجنيح القضائي عن إعادة التكييف:
رأينا أن التجنيح القضائي هو استبعاد أو التغاضي أو تغيير الوصف الحقيقي للفعل وإحلال وصف آخر محله ،بخلاف إعادة التكييف الذي مفاده إعطاء الوصف الحقيقي للفعل الجرمي سواء أدى ذلك إلى اعتماد وصف من نفس المستوى أو جريمة مماثلة أو من وصف أخف إلى آخر أشد أو العكس .وهذه الإمكانية موكولة صراحة لغرفة الجنايات حسب ما يستفاد من المادة 432ق م ج التي نصت في فقرتها الأولى على ما يلي "لاترتبط غرفة الجنايات بتكييف الجريمة الحالة عليها،ويجب أن تكيف قانونيا الأفعال التي تحال عليهاوأن تطبق عليها الفصول القانونية المتلائمة مع نتيجة بحث القضية بالجلسة." أما التجنيح فهو إجراء من صنع العمل القضائي ولم يتطرق إليه المشرع إلا في حالات استثنائية آخدا بعين الاعتبار معيار العقوبة المقررة لهذه الأفعال المجنحة والتي تتجاوز خمس سنوات وتصل إلى عشر سنوات.
كما يختلف التجنيح عن إعادة التكييف في كون أن الإجراء الأول لايتخد إلا من طرف النيابة العامة وقاضي التحقيق ،أما الثاني فيتخذ من طرف المحكمة الابتدائية والغرفة الجنحية وغرفة الجنايات أو من طرف قاضي التحقيق.أما الغاية من الإجراءين فالتجنيح يرمي إلى تبسيط الإجراءات وتدبير أمور العدالة وتقريبها من المواطنين ،ومراعاة قساوة بعض العقوبات ،في حين أن الغاية من إعادة التكييف هو التطبيق السليم والحرفي للنصوص القانونية بغض النظر عن الظروف والمبررات المحيطة بالقضية ،فلا أثر للوصف الخاطئ الذي تكيف به الوقائع النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو المحكمة الأقل درجة بل العبرة بالوصف الذي تعطيه للوقائع آخر جهة قضائية فصلت في المتابعة أو محكمة النقض باعتبارحكمها ملزما لمحكمة الإحالة في النقطة القانونية التي بثت فيها،وبالتالي فان إعادة التكييف بهذا المعنى تؤدي في الحقيقة إلى تعطيل مفعول التجنيح القضائي وعدم الاقراربه بل واعتباره كأن لم ينجز لمخالفته مبدأ الشرعية وفي هذا تطبيق صريح لمقتضيات المادة 751 من ق م ج التي نصت على ما يلي "كل إجراء يأمر به هذا القانون ولم يتبث انجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز...".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جرائم الإيذاء العمدي

النظريات المفسرة للسلوك الاجرامي

علاقة علم العقاب بباقي فروع العلوم الجنائية الأخرى