التنفيذ الجبري للالتزامات في التشريع المغربي






التنفيذ الجبري للالتزامات في التشريع المغربي


1- الأصل في العقود و الالتزامات أنها تلزم من كان طرفا فيها، فهي تتضمن قوة تحتم على الأطراف المتعاقدة الرضوخ و الإذعان لــه، وبعبـــارة أخرى فهي تتضمن قوة ملزمة للأطراف باحترامها، بالنسبة إلى كل أحكامها، فلا يستطيع أي طرف أن يستقل بنقضها و لا بتعديلــها ، ما لــم يصرح القانون بذلك، إذن إذا كان العقد صحيحا ، فانه يصبــح واجب التنفيذ ، فإذا لـــم يقم المدين بالتنفيذ الاختياري أمكن جبره على التنفــيذ، حيث انــه إذا امتنـــع المدين عن التنفيذ العيني وكان هذا التنفيذ غير ممكن ، أو كان ممكنا ولكــن الدائن طلب التعويض، ولم يتمسك المدين بالتنفيذ العيني ، فانه في هذه الحالة تقوم المسؤولية العقدية إذ يلتزم المدين بدلا من التنفيذ العيني أن يعوض الدائن عن الضرر الذي لحقه من عدم تنفيذ الالتزام.
2- يتضح إذن أن جزاء القوة الملزمة للعقد يتلخص في أمرين :
- التنفيذ الجبري للالتزام تنفيذا عينيا إذا كان هذا ممكنا.
- الأمر الثاني هو المسؤولية العقدية.
3- إن إجبار المتعاقد على التنفيذ لا يتصور إلا إذا كان هذا التنفيذ ممكنا أي إذا كان التنفيذ العيني لم يصر مستحيلا ، ولكن إذا كانت استحالة التنفيذ ترجع إلى فعل المتعاقد فانه يكون مسئولا عن عدم التنفيذ وبالتالي تترتب عليه المسؤولية العقديــة وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى :"يحق للدائن إجبار المدين على تنفيذ التزامـــه إذا كان في حالــة مطل، وليس لـه في هذه الحالة فسـخ العقد إلا إذا كان التنفيذ غير ممكن. والفسخ لا يقع بقوة القانون وإنما يجب أن تحكم به المحكمـة، وبالتالي فانــه ليس للبائع الحق في التحلل من التزامه بفسخ البيع تلقائيا لمجرد عدم أداء المشتري الثمن في الوقت المتفق عليه ودون حكم من المحكمة 1 ."
4- يثير هذا الموضــوع عدة إشكاليات أهمـــها: مدى فعاليـــة وسائل التنفـــيذ الجبري -المنصوص عليها في التشريع المغربي- في حماية الدائن؟
5- إذا لم يمتثل المديـن لتنفيذ التزامــه بالاختــيار اجــبر على ذلك ، وغالبا ما يكون ذلك بواسطـــة القضاء ، على أن هذا يقتصـر على الالتزام المدني ، وتتعــدد وسائـــل التنفيذ الجبري للالتزامات المنصوص عليها في التشريــع المغربي، وهي تظل غــير كافية لتحقيق الحماية اللازمة للدائن، وذلك نظرا لما تتضمنه النصوص القانونيـــة المنظمــة لـــها من عيوب وثغرات وتعدد في المصادر القانونية لوسائل للتنفيــذ الجبري مشتتـــة. " المبحث الأول"، بالإضافــة إلى عدم استيعابـــها مــــن طرف المجتمــــع المغربي، مما يستوجـب ضرورة تدخــل المشرع المغربي لســد هذه الثغرات والبحــث عـــن وسائل أكثر فعاليــــة وملائمـــة لثقافــــــة المجتمــــع المغربي" المبحث الثاني".

المبحث الأول: عجز وسائل التنفيذ الجبري عن تحقيق الحماية اللازمة للدائن:

6- تتعدد وسائل التنفيذ الجبري ومصادرها التشريعية حيث عالجها المشرع المغربي في أماكن متفرقة " المطلب الأول"، هذه الأخيرة تظل عاجزة عن تحقيق الغايات المتوخاة منها " المطلب الثاني".

المطلب الأول: وسائل التنفيذ الجبري في التشريع المغربي:

7-التنفيذ الجبري للالتزام يتم غالبــا استنادا إلى أحكام قضائيــة وبتدخل من السلطات العمومية وهو على نوعيـــن:"التنفيـــذ الجبري العيني والتنفيـذ الجبري بالتعويض"، فالأول يحصل فيـــه الدائن على ذات ما التزم بـــه المديـن سواء كان مبلغا من النقود أو القيام بعمل كرسم لوحة أو الامتناع عـن عــمل كعدم فتــح محل أو عدم إقامـــة بناء. أو كان التزاما بنقــل ملكيـــة منقول أو عقار.والتنفيـــذ العيني هو الأصل احتراما لإرادة الطرفيــن، لكن إذا تعــذر إجراؤه كــما في حالــة هلاك المنقول والعقار المتعاقد عليه فانه يتـم اللجوء إلى التنفيـــذ بالتعويض حيث يحصل الدائـــن على مقابـــل مالي يحــدد من طرف المحكمة. وغالــبا ما يكـــون التنفيـــذ بالتعويــض في الحالات التي يكون فيـــها تنفـــيذ الالتزام الأصلي يتطلـــب تدخلا شخصيا من المدين ويمتنع هذا الأخير عن ذلك كــما هو الشأن في الالتزام برســـم لوحة أو إجراء عمليــة جراحيـــة أو إحياء سهرة، في كل هذه الحالات لا يمكـــن استعمال القوة الجبريــة للحصول على التنفيذ لان ذلك إما أن يكون مستحيلا أو فيه مساس بالحرية الشخصية والذي لم يعد مقبولا في العصور الحديثة (2).
8- للضغط على المدينيــن اقر التشريع المغربي عدة وسائل بعضها منصوص عليها في قانون المسطرة المدنيــة كالغرامة التهديديـــة، الحجز بنوعيــه(التحفظي و التنفيذي)، الحجز الارتهاني والاستحقاقي، ونص المشرع في فصول أخرى فـي ق ل ع على بعض المبادئ الأساسية للتنفيذ وخاصة الباب الثاني و الثالث و الرابع (الفصول 236 إلى 305)، وكذلك بعض الفصول من القسم الحادي عشر المتعلــق بالرهن الحيازي.هذا بالإضافة إلى وجود بعض النصوص الخاصة كظهير 1962المتعلق بتطبيق مسطرة الإكراه البدني في مجال الديون التعاقدية.
9- ولأهميـة الغرامـــة التهديديـــة والإكراه البدني لا بد من الإشارة إلى بعض خصائصهما، فالإكراه البدني هو حبس المدين حتى يضطر إلى الوفاء بدينه ويعتبر من بقايا العهود القديمة، حيث كان المدين يلتزم في شخصه لا في ماله ويحق لدائنه أن يحبسه أو يسترقه إذا لم يف بالتزامه، وقد تراجعت عنه كثير مــــن التشريعات احتراما لكرامــــة الإنسان وتطبـــيقا لمبـــدأ ( أن المدين يلتزم في مالـــه وليس في شخصه) وحصرتـــه تشريــعات أخرى في الغرامات والمصاريفالجنائيـــة (3).أما في تشريعنا فلا يزال الإكراه البدني يطبق في الميدانين المدني والجنائي.أمــــا الغرامة التهديدية فتكون بفرض غرامـة تهديدية على المدين الذي يمتنـع عن الوفاء ويقتضي هذا الوفــاء التدخـــل الشخصي لــــه ولا يكون محلــه مبلـــغا مـــن المال ( رسم لوحة .....)والغرامـــة تفرض مـــن طرف قاضي الموضــوع أو رئيــــس المحكمـــة الابتدائيـــة ( ف 448 من ق م. م) ولا يتم تنفيذها مباشرة بل لابد مــــن تصفيتــــها بواسطــــــة حكــــم آخر. وقــــد درج القضاء على فرضالغرامـــــة التهديديـــة حتى في الحالات التــي لا يتطلــــب فيـــها تنفيــــذ الالتزام التدخـــــل الشخصي للمديـــــن ( كإفـــراغ العقارات والمحلات التجاريـــة والسكنيـــة) وذلك باعتبارها وسيلة ضغط لمقاومـــة تعنت هؤلاء.
تظل هذه الوسائل بالرغم من كثرتها عاجزة عن تحقيق الغايات المتوخاة منــــها.


المطلب الثاني: مظاهر عدم فعالية وسائل التنفيذ الجبري في التشريع المغربي:

10- إن أهميــــة التنفيذ لا تخفى على أحـــد ما دام هو الذي يعطي للأحـكام روحها، وهو أمنية كل من لجا إلى المحاكم، ولكنه مـع الأسف لا يزال عقبة تتحطم عليها في اغلب الحــالات أمال الكثيرين من هؤلاء، وأصبـــح المنفذ عليهــــم ذووا النوايا السيئة يجدون فيه ما لم يستطيعوا أن يحصلوا عليه بالمرافعات وبممارســة طرق الطعن وهو التملص من الوفاء بالتزاماتهم. فتنفيذ الأحكام يعاني من مشــاكل متعددة وهي:
1)- يمكن أن يستغرق استصدار حكم قضائي عدة سنوات، مـــما يجعل أصــحاب الحقوق يفقدون الثقة تماما في الجهاز القضــائي، وبالتالي عدم المطالبـــة عنـــد صدور الحكم بتذييله بالصيغة التنفيذية .
2)- طول الإجراءات المتبعــــة في تنفيذ الأحكام حيـــث يمكن أن تســتغرق عــدة سنوات أو قد يكون مصيرها عدم التنفيذ، وكمـــثال على ذلك إبطال احد إجراءات التنفيذ وإعادة التنفيذ من جديد على وجه صحيح ، أو مفاجئـة المدين بتعرض الغير الخارج عن الخصومة، أو طلب إعادة النظر.....
3)- انعدام الرقابة القضائيــة المباشرة والمستمرة على إجراءاتــــه ، حيث يمكـــن للمكلفين بالتنفيذ التوقف عن متابعة إجراءات التنفيذ في مرحلة معينــة بعـــد أن يصطدمـــوا بصعوبات أو تعقيدات دون أن يرفعوا الأمر إلى رئيس المحكمـــة لإبداء وجهــــة نظره حول الاستمرار أو عدم الاستمرار في عمليات التنفـــيذ ، أضف إلى ذلك أن نسبة لا يستهان بها من الأحكام الصادرة في دعاوي استرداد الحيازة ودعاوي الاستحقاق يتعذر أحيانا تنفيذها، أو التنفيذ على ارض الغـــير أو يقع التنفيذ على أكثر مـــما حكـــم لأنها لا تتضمن كل البيانات الضروريــــة للتعرف بكل دقة على حيز الأرض المحكوم برد حيازتها (4).
4)- ضعف مستوى الأعوان المكلفيـــن بالتنفيذ أمام تشعــــب والتــباس النصوص القانونية وأمام تحايل وتدليس المنفذ عليهم.
3) قلة عدد هؤلاء بالنسبة لعدد القضايا وعدم تنظيم عملهم تنظيما محكما.
4) مشكل الإنابات القضائية المتبادلة بين المحاكم المختلفة.
11- يتجلى مما سبـــق أن عدم فعالية اغلب وسائل التنفيـــذ تتجلى بالأساس في النصوص المنظمة لها وليس في الوسائل بحد ذاتها، بقي أن أشير إلى فعاليـــة كل من الغرامة التهديدية و الإكراه البدني. فالنسبـة للأولى تتجلى مظاهر عدم فعاليتـها في كون المجلس الأعلى يعتبر أن الغرامة التهديديـة عند تصفيتـــها ، تتحـــول إلى مجرد تعويض عن الضرر الحاصل فعلا، وبالتالي لا يمكن منـح تعويض للمحكوم له احدهما عن الغرامة التهديدية في شكل تصفية، والثاني في شــكل تعويض عـــن الضرر المادي الحاصل من جراء عدم التنفيـــذ (6) وقــــد جاء في قرار للمجلــــس الأعلى: "أن المحكمة بتصفيتها للغرامة التهديديـــة بناء على حكــــم نهائي صــدر بتحديدها، دون توضيح الأساس الواقعي الذي بموجبه تمت تصفيتها، ودون اعتبار لوجود الضرر وثبوت مقدار أهميته بالنسبة لطلب التصفيـــة، يكون قضائها ناقص التعليل الموازي لانعدامه" (7)، وقد استقــــر المجلس الأعلى علــى هذا الاتجاه مما يبين انه يمكن عند تصفية الغرامة التهديديـــة أن لا يحصل المحكوم له الدائن على أي تعويض لعدم ثبوت تضرره من التأخر في التنفيذ. أما بالنسبـــــة للإكراه البدني فهو كما قـــلنا في المطلب الأول فهو حبس المدين لمدة معينة لا يمكــــن تجاوزها ولا يمكــن الحكم بــها مرتين على المدين، فهنا تتجلى عدم فعاليـــة هذه الوسيلــــة حيــث قـــد يفضـــل البعض -وخاصة منهم المدينين بمبالغ كبيرة-الحبـــس لمدة معينــــة خير من القيام بالوفاء بما في ذمتهم.
12- باستعراض مظاهر عدم فعالية وسائل التنفيذ الجبري في التشريع المغربي يتبين لنا ضرورة تدخـل المشرع لســد هذه الثغرات والبحــث عـــن وسائل أكـــثر فعاليــــة وملائمـــة لثقافــــــة المجتمــــع المغربي. .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جرائم الإيذاء العمدي

النظريات المفسرة للسلوك الاجرامي

الدوافع والآثار النفسية والاجتماعية لزنا المحارم